للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا قد جاء في رواية البخاري (١) التي أشرنا إليها، أنهم كانوا يتضورون من خرص عبد الله ابن رواحة، حتى أنهم أرادوا أن يعطوه رشوة ليخفف عنهم، فقال لهم عبد الله: والله لقد جئتكم من أحب الناس إليَّ ولأنتم أبغض إليَّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.

والذي ذهب إليه الشافعي: أن هذه معاملة صحيحة وهي المساقاة، وعليها العمل عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة والمجتهدين، أن يعطى المالك أجيره بعض ثمرة ملكه في مقابلة عمله.

وقال أبو حنيفة: هي معاملة فاسدة لا تصح. ولم يتابع عليه.

وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبين اليهود.

هذا الحديث صحيح أخرجه هكذا مالك (٢) مرسلًا قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر، فيخرص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حُليًا من حلي نسائهم، فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.


(١) كذا عزاه للبخاري وهو وهم فليس عنده من الرواية المشار إليها، والحديث سوف يأتي قريبا من المسند؛ الحديث الآتي.
(٢) "الموطأ" (٢/ ٧٠٣ - ٧٠٤) رقم (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>