للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزيد، عن محمد بن عباد بن جعفر قال: قعدنا إلى عبد الله بن عمر فسمعته يقول: "سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما الحاج؟ قال: "الشعث التفل فقام آخر فقال: يا رسول الله، أي الحج أفضل؟ قال: "العج، والثج" فقام آخر فقال يا رسول الله! ما السبيل؟ قال: "زادًا وراحلة".

هذا الحديث أخرجه الترمذي (١): عن يوسف بن عيسى، عن وكيع، عن إبراهيم بن يزيد بالإسناد، وقال: من الحاج (٢)؟ وقال: الزاد والراحلة.

"ما" كلمة استفهام ثابت مناب حروف الاستفهام، وهي في أصل الوضع أن يستفهم بها عما لا يعقل وعن صفة من يعقل، تقول: إذا استفهمت عن بنية أو بهيمة أو شجرة ما هذه؟ وكذلك إذا سألت عن صفة رجل قلت: ما لون زيد، أو عن حقيقته قلت: ما زيد.

فأما "من" فإنها موضوعة لمن يعقل من الذكر والأنثى، تقول: من زيد، ومن هند، فإذا اجتمع من يعقل وما لا يعقل غلب من يعقل على ما لا يعقل، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (٣) يريد بذلك جميع الموجودات، وقد جاء التنزيل أيضًا: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (٣) يريد به غير العقلاء، أو أنه لما اجتمع من يعقل وما لا يعقل وكان ما لا يعقل أكثر ممن يعقل غلب الأكثر على الأقل.

فأما قوله: "ما الحاج" -إن صحت الرواية به- فهو القياس سؤال عن صفة من يحج, لأنه لم يرد أن يعرف ذات الحاج وحقيقته ولا واحدًا بعينه ممن يحج لهما، أراد أن صفة الحاج على من يطلق، فلذلك أجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصفة التي إذا لابسها الإنسان سمي حاجًا، وهي "الشعث التفل"، وهذا الجواب وإن


(١) الترمذي (٨١٣).
(٢) كذا لفظه في الأصل وعند الترمذي (يا رسول الله ما يوجب الحج؟).
(٣) الرعد: [١٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>