وكذلك رواية مالك: فالاستفهام فيها أظهر، لأنه لما قال له: اصبب على رأسي، أراد أن يأخذ ما عنده في ذلك لتقوى عزيمته على الغسل، فقال له يعلى: أتريد أن تجعلها في، أي: أتريد أن تقلدني أمر ذلك وتجعلني الآثم، وهذا إنما يكون جواب الاستفهام لا جواب الأمر، لأنه إذا أمره وامتثل أمره لم يكن عليه معه في ذلك، فالتأنيث في قوله: أن تجعلها في "راجع إلى القضية والحالة".
والشعث: تغير حالة الشعر عن الاستواء لبعد العهد بالتسريح والاغتسال، وهو من التفرق، يقال: لم الله شعثه، أي ضمه وجمعه.
والماء: قال عمر: إن الماء لا يزيد الشعر إلا شعثا، لأن المحرم إذا أراد أن يغتسل لا يمكنه تسريح شعره، لأن المشط ينثره فيلزمه الفدية، فإذا قلب الماء عليه وهو على حالة شعث ولم يسرحه إذًا زاد بالماء شعثا، لأن التراب إذا وقع على النداوة لصق بها وثبت عليها.
وقوله في رواية الشافعي:"يسمي الله وأفاض على رأسه" يجوز أن يكون المفيض عمر وأن يكون يعلى، على اختلاف التقدير في الأمر والاستفهام.
وأخبرنا الشافعي (رضي الله عنه): أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ربما قال لي عمر بن الخطاب: تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون.
أباقيك: من البقاء الثبات والدوام، المعنى يقال: نغوص في الماء ونبصر أينا يبقى في الماء أكثر، تقول: باقيته أباقيه مباقاة، وقد روي في هذا الأمر في بعض الكتب فقال:"أنافسك" بالفاء والسين من النفس، والذي جاء في المسند بالقاف والياء كما ذكرنا.
وربما يجوز أن يكون بمعناها الحقيقي وهو التعليل، وأن يكون قصد معناها وهو التكثير، وكأنه فيها أحسن لأنه مستدل بوقوع هذا الفعل من عمر وكثرة