للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرم بحج، إنما ذهب إلى أن سمع عائشة قالت: ففعلتُ في عمرتي كذا، إلا أنه خالف خلافًا بينا في قوله عن عائشة: "ومنا من جمع بين العمرة والحج"، فإن قال قائل: قد قرن الصُبي بن معبد، فقال له عمر: هديتَ لسنة نبيك.

قيل: حكى له أن رجلين قالا له: هذا أصل من حمل أهله، فقال: هديتَ لسنة نبيك أن من سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - أن القران والإفراد والعمرة هُدىً لا ضلال.

قلت: وهذان الرجلان القائلان للصبي بن معبد هما:

سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان.

قال الشافعي: فإن قال قائل: فما دل على هذا؟ قيل: أمر عمر أن يفصل بين الحج والعمرة، وهو لا يأمر إلا بما يسع ويجوز في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا ما يخالف سنته وإفراده الحج. فإن قيل: فما قول حفصة للنبى - صلى الله عليه وسلم - ما شأن الناس حلّوا ولم تحلل من عمرتك؟ قيل: أكثر الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن معه هدي وكانت حفصة معهم، فأُمِروا أن يجعلوا إحرامهم عمرة ويحلّوا، فقالت: لم تحلَّل الناس ولم تحلل من عمرتك؟ -يعني: إحرامك الذي ابتدأته وهم بنية واحدة -والله أعلم. فقال: "لبدت رأسي وقلدت هدي، ولا أحل حتى أنحر بدني" -يعني -والله أعلم- حتى يحل الحاج لأن [القضاء نزل] (١) أن يجعل من كان معه هدي إحرامه حجًا، وهذا من سعة لسان العرب الذي يعرف بالجواب فيه.

فإن قال قائل: من أين ثبتَّ حديث عائشة، وجابر، وابن عمر، وطاوس، دون حديث من قال قرن؟ قيل: بتقدم صحبة جابر وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره، وقرب عائشة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضل حفظها عنه، وقرب ابن عمر منه، ولأن من يصف انتظار النبي - صلى الله عليه وسلم - القضاء إذ لم يحج من المدينة بعد


(١) في الأصل [نزل القضاء] والمثبت من المعرفة (٧/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>