للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترثونها من أبيكم إبراهيم، وإنما قال: أبيكم إبراهيم لأمرين:-

أحدهما: أن كثيرًا من الناس يزعمون أن إسماعيل بن إبراهيم أبو جميع العرب، فيكون هذا الخطاب على هذا القول صادرًا على جهة الصحة والتحقيق.

والأمر الثاني: أنه لما كان العرب الذين بالحجاز ونجد وتهامة وما يليها من البلاد، وعلى الخصوص أهل الحرمين وقطان مكة من أولاد إسماعيل حقيقة، وكانوا أخص بخطابه من غيرهم، قال: "أبيكم إبراهيم" فخاطب من كان منهم من أبناء إسماعيل، واندرج غيرهم في الخطاب ضمنًا وتبعًا.

ومساق هذا الحديث: هو لبيان أن الموقف بعرفة لا بعدها، وأن كل موضع منها موقف، وهو مما يسند القول الثاني وأن الخطاب كان لقريش ومن دان بدينها خاصة، ودخل غيرهم فيه عامًا، وذلك أن قريشا ومن دان بدينها من العرب كانوا يقفون بمزدلفة ولا يخرجون إلى عرفات، ويقولون: نحن قطين الله يعنون سكان بيته ولا نخرج من حرمه، وكانت العرب غيرهم يقفون بعرفات، فلما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - ظنوا أنه يقف بمزدلفة جريًا على عادة قريش فجازها إلى عرفات، ثم قال للناس: قفوا على مشاعركم هذه، وأعلمهم أن إبراهيم (عليه السلام) كان يقف بها وأنكم ورّاثه لأنكم أبناؤه.

وقد أخرج المزني: عن الشافعي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: "ذهبت أطلب بعيرًا أي يوم عرفة، فخرجت فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة مع الناس، فقلت: إن هذا من الحمس فما له خرج من الحرم -يعني بالحمس: قريشًا- وكانت قريش تقف بالمزدلفة وتقول: نحن الحمس لا نجاوز الحرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>