للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخرجه المزني عن الشافعي بهذا الإسناد وزاد فيه: "فقال: ينهى عن مثل هذا إِلا مثلا بمثل" وقال: "لا أساكنك بأرض أنت فيها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية ألّا تبيع ذلك إلا مثلًا بمثل".

وهكذا أخرجه مالك في "الموطأ" (١) بطوله، وزاد: "وزنًا بوزن".

السقاية مشربة يشرب بها الماء من أي الجواهر كانت، وهي فِعَالة من السقي.

وقوله: "من يعذرني من معاوية" أي من يقوم بعذري ومن يصرف لومه عني إذا رآني أفعل أمرًا ينكر مثله على فاعله، وذلك أنه لما قال معاوية: "ما أرى بهذا بأسًا" وردّ على أبي الدرداء ما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن مثل ذلك؛ كأنه أراد أن ينكر على معاوية إكبارًا لقوله، فقال: من يعذرني فيما أقوله أو أفعله مع معاوية، ثم ذكر العلة التي طلب من أجلها من يعذره فقال: "أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويخبرني عن رأيه؟!.

وهذا وارد على جهة الاستدلال والتعليل.

وقوله: "لا أساكنك بأرض" يريد: لا نقيم أنا وأنت بأرض واحدة "المساكنة" مُفَاعَلة من السكني.

وفي هذا الحديث دليل على أن القياس لا يصادم النص الثابت المحكم، وهذا الحديث ذكره الشافعي في كتاب "الرسالة" واستدل به على (أن الحديث الواحد منه) (٢) ولم يعلم أن أحدهما ناسخ للآخر، ولا أحدهما أشبه بالكتاب العزيز ولا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما سواهما، كان الحديث الكثير الطرق والرواية أولى بالعمل وأجدر أن يعمل به، ويترك العمل بالحديث الآخر.


(١) الموطأ (١٣٠٢).
(٢) كذا في "الأصل"، ولعله قد وقع سقط في السياق، والذي في الرسالة (١/ ٢٧٩ - ٢٨١) استدل الشافعي في هذا الباب على أن حديث الاثنين أولى -في الظاهر- بالحفظ وبأن ينفى عنه الغلط من حديث الواحد وأن حديث الخمسة أولى بالحفظ من حديث الواحد. وانظر نص كلامه هناك وانظر أيضًا (١/ ٢٨٤ - ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>