للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " لفظه لفظ الاستفهام ومعناه التقرير والتنبيه والتوقيف على حقيقة الحكم وعلته؛ ليعتبرها السائل، ويستعملها في نظائرها؛ لأنه لا يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب إذا يبس ينقص وزنه؛ وإنما سأل عنه لتبيين علة المنع من صحة البيع والنهي عنه، وهذا النوع كثير يرد في العربية والقرآن العزيز كقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (١) وقول الشاعر:

ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح

وقول سعد لما سئل عن البيضاء بالسلت: "أيهما أفضل؟ " هذه الأفضلية تقتضي أن تكون في القيمة وفي الوزن. فأما في الكيل فلا لأنه مقدار لا يسع من كل جنس إلا ما يملأه.

وأما في القيمة فلأن الأجناس تتفاوت قيمتها بحسب تفاوت رغبات الناس فيها، أو لقلتها، أو لغير ذلك من المقتضيات.

وأما الوزن فلأن مكوك من البيضاء -إذا قلنا: إنها الحنطة- أفضل وزنًا من مكوك سلت، والتفاضل في القيمة والوزن لا أثر له في المال الربوي من المكيلات، والبيضاء والسلت مكيل، وإذا كان كذلك فليس في قوله: "أيهما أفضل؟ " فائدة ثم هذان نوعان مختلفان أحدهما حنطة والآخر شعير، وبيع بعضهما ببعض متفاضلاً جائز، إلا عند مالك ومن قال بقوله، وكيف يقاس إذا يبس، وليس هذه العلة بموجودة في البيضاء بالسلت حتى يقاس بها، إلا عند من ذهب إلى أن البيضاء هو الرطب من السلت، وحينئذ يصح الجمع بينهما والقياس فيهما.

ويبقى شيء آخر وهو أن تعليل المنع من بيع الرطب بالتمر إنما هو النقص


(١) سورة الأعراف (١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>