للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعي: ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا بيع الخيار" معنيان أظهرهما عند أهل العلم باللسان، وأولاهما بمعنى السنة والاستدلال بها والقياس: أن يُخَيِّرَ أحدهما صاحبه بعد البيع، كما أن التفرق بعد البيع، وإذا كان وجوب البيع بالتفرق أو بالتخيير، وكان موجودًا في اللسان والقياس إذا كان البيع يجب بشيء بعد البيع هو الفراق؛ يجب بالثاني بعد البيع، فيكون إذا خَيَّرَ أحدهما صاحبه بعد البيع، كان الاختيار تجديد شيء يوجبه كما كان التفرق تجديد شيء يوجبه، ولم ترد فيه سنة بينة بمثل ما ذهبت إليه كان ما وصفنا أولى المعنيين أن يؤخذ به؛ لما وصفت من القياس.

مع أن سفيان بن عيينة أخبرنا، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه قال: "خَيَّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً بعد البيع، فقال الرجل: عَمْرَكَ الله؛ ممن أنت؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: امرؤ من قريش، قال: فكان أبي يحلف ما الخيار إلا بعد البيع".

قال الشافعي: وبهذا نقول (١).

وأما المعنى الآخر فهو أن يتخايرا في عقد البيع، وهو أن يشترط في العقد أن لا يكون بينهما خيار المجلس.

قال الشافعي: وقد قال بعض أصحابنا: يجب البيع بالتفرق بعد الصفقة، ويجب بأن يعقد الصفقة على خيار، وذلك أن يقول الرجل: لك بسلعتك كذا بيعًا خيارًا، فيقول: قد اخترت البيع. قال: و [لسنا] (٢) نأخذ بهذا، وقولنا الأول أن لا يجب البيع إلا بتفرقهما أو يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختاره.

قال الخطابي -رحمه الله تعالى-: وقد تأول بعضهم "إلا بيع الخيار" على


(١) انظر "الأم" (٣/ ٤)، و"المعرفة" (٨/ ٢٢).
(٢) في "الأصل": ليس، والمثبت من "المعرفة" (٨/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>