ولا يقع حقيقة إلا بعد حصول الفعل منه، كقولك: قائم أو قاعد وآكل وشارب، وإذا كان كذلك فقد صح أن المتبايعين هما المتعاقدان، وليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان.
قال الشافعي -رضي الله عنه- على قول من قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرق الكلام: هو محال لا يجوز في اللسان إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين، ثم يكونان بعد متساومين قبل التبايع، ثم يكونان بعد التبايع متبايعين، ولا يقع عليهما اسم المتبايعين حتى يتبايعا ويتفرقا بالكلام على التبايع، واستدل بقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الربا:"هاء وهاء" إنه إنما لا يفترقان حتى يتقابضا.
فقد تقدم هذا الحديث فيما سبق، ثم قال: أرأيت لو احتمل اللسان ما قلت وما قال من خالفك؛ أما أن يكون من قال بقول الرجل الذي سمع الحديث أولى أن يصار إلى قوله؛ لأنه الذي سمع الحديث فله فضل السماع والعلم بما سمع وباللسان؟ قال: بلى، قلت: فلم لم تعط هذا ابن عمر وهو سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وكان إذا اشترى شيئًا يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلاً ثم رجع.
أخبرنا بذلك سفيان، عن ابن جريج، عن نافع عن ابن عمر، ولم تعط هذا أبا برزة؛ فهو سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار" وقضى به، وقد تصادقا أنهما تبايعا ثم كانا معًا لم يتفرقا في ليلتهما، ثم غدوا إليه، [فقضى](١) أن لكل واحد منهما الخيار في بيعه.
ويشهد لهذا التأويل قوله:"إلا بيع الخيار" ومعناه تخيره قبل التفرق وهما بعد في المجلس، فيقول له: اختر، وبيان ذلك في رواية أبي داود، وهو قوله:"إلا أن يقول لصاحبه اختر".
(١) في "الأصل": يقتضي، والمثبت من "المعرفة" (٨/ ٢٠).