للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"النقيع" بالنون: موضع قريب من المدينة.

قال الشافعي: كان الشريف من العرب في الجاهلية إذا نزل بلدًا في عشيرته استعوى كلبًا، فيحمي لخاصته مدى عواء ذلك الكلب، فلم يرعه معه أحد، وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله؛ فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُحمى على الناس حمًى كما كانوا في الجاهلية يحمون.

قال: وقوله: "إلا لله ورسوله" معْناه إلا ما يُحمى لخيل المسلمين وركابهم الموصدة لجهاد المشركين والحمل عليها في سبيل الله، كما حمى عمر النقيع لنعم الصدقة والخيل المُعدّة في سبيل الله.

تفصيل المذهب: أن الحمى كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه وللمسلمين، وأما آحاد الناس فليس لهم أن يحموا لأنفسهم، ولا لغيرهم، وإنما قصد به النبي - صلى الله عليه وسلم - منع العامة من الحمى لما فيه من التضييق على الناس، أما الأئمة فهل لهم الحمى أم لا؟ ففيه نظرٌ؛ إن كان الإمام يريد أن يحمي لنفسه لم يكن له ذلك، وإن أراد الحمى للمسلمين ففيه قولان؛ أحدهما: ليس له ذلك، والثاني: له ذلك، وهو الصحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة؛ لأن ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأخبرنا الريبع، قال: قال الشافعي -رضي الله عنه- أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: "أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يقال له هني على الحمى، فقال له: يا هني، ضع جناحك للناس، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياك ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف؛ فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الغنيمة يأتي بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟! فالماء والكلأ أهون عليّ من الدنانير والدراهم، وايم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية،

<<  <  ج: ص:  >  >>