للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدل في ذكرها والإخبار عنها إلى الفعل، فقال: "فلا أراه إلا قد صدق"، ولم يقل: "فلا أراه إلا صادقاً", لأن دلالة الاسم في هذا المقام أوضح من دلالة الفعل، وذلك أن الأصل في المفعولات والحال الاسم، وأما الجملة الاسمية والفعلية فإنهما فرع في الوضع عليه، فكانت دلالة الأصل أوضح من دلالة الفرع، فلم تكن الهمة في الإخبار عن صدقه قوية؛ ولا النفوس إلى تحقيق صدقه منبعثة، نظرًا إلى الأدب الشرعي في إخفاء المعاصي. فلما جاء إلى حالة التكذيب وكانت الهمة في إظهارها قوية، والنفس في تحقيقها منبعثة؛ عدل في الإخبار عنها إلى اللفظ الموضوع الأصلي، فقال: "فلا أراه إلا كاذبا".

وقوله: "قد صدق" حرف وفعل، والحرف هو للقليل الأفعال والتقريب إلى الحال، يقول قائل: كان كذا وكذا، فتقول في الجواب: قد كان ذلك. أي أنه قليل الكون قريبه.

ويقول العامل: قد يكون كيت وكيت، فتقول: قد يكون ذلك أي: أنه قليل الوقوع وقريب من الوقوع.

فأما قوله: "فلا أراه إلا كاذبًا" فإن اللفظ يقتضي اتصافه بالكذب وأن ذلك حالة لا دلالة فيها على تقريب الحال ولا تقليل، وإنما لما علقه بالشرط صار معلقًا عليه، فكانت الدلالة فيه أقوى نظرًا إلى الأصل في الأدب الشرعي في إظهار الأوصاف الجميلة والخلال الحميدة.

قال الشافعي: وفي حديث ابن أبي ذئب دليل على أن سهل بن سعد قال: فكانت سنة المتلاعنين، وفي حديث مالك وإبراهيم بن سعد كأنه قول ابن شهاب، وقد يكون هذا غير مختلف بقوله مرة ابن [شهاب] (١) ولا يذكر سهلاً، وبقوله أخرى ويذكر سهلا، ووافق ابن أبي ذئب إبراهيم بن سعد فيما زاد في آخر الحديث على حديث مالك.


(١) من الأم (٥/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>