للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباقين: "أمرت أن أقاتل" ولكل واحد من القولين ترجيح.

أما رواية الشافعي: فإن فيها زيادة تخويف للمشركين الموعودين بالقتال, لأن إضافة المقاتلة إلى نفسه وإخباره بما هو عازم عليه وملتزم به، وأن الباعث عليها نفسي والداعي أمر ذاتي فيه من تخويف المخاطبين بهذه العزيمة ولزوم الأمر؛ ما ليس في إضافة المقاتلة إلى أنه مأمور محمول عليها لا سيما إذا لم يصرح بالأمر، فإن الباعث الخارج لا يقابل بالباعث الداخل، فالداعي التكليفي لا يقاوم الداعي الطبعي.

وفي قوله: "لا أزال" من العلم بالدوام والاستمرار ما ليس في قوله: "أمرت أن أقاتل"، وإن كان تعليق الحكم بحتى يقتضي الدوام والاستمرار إلى وقوع المعلق بها ولكن في زيادة لفظ "لا أزال" من التصريح بتحديد وقوع المقاتلة وتكرارها ما ليس في تلك.

وأما الرواية الأخرى: وهي "أمرت أن أقاتل حتى" فإن الفعل إذا كان مأمورًا به من جهة لا يمكن مخالفتها، وحتمًا من آمر لا يسع رد أمره -وهو في هذا المقام الله تعالى- فإنه يكون آكد من فعل هو مبتدأ من نفس الإنسان ومنشأ من ذاته, لأن الإنسان قد يعزم على الشيء ويريده ويختاره ويترجح فعله عنده وهو قادر عليه، ثم يدعه ولا يفعله لا سيما إذا لم يتجه عليه بتركه ملامة وليس كذلك فيما إذا كان واجبًا عليه لازمًا ويتوجه بتركه عليه الملامة.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا الثقة، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر (رضي الله عنهما) فيمن منع الصدقة-: أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"؟! فقال أبو بكر: هذا من حقها. يعني: منعهم الصدقة.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب قال

<<  <  ج: ص:  >  >>