للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجها النسائي (١): عن الحارث بن مسكين، عن سفيان، عن عمرو.

معنى قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (٢) أي: من عفي له من جهة أخيه شيء من العفو كقولك: سر يريد بعض السير ولا يصح أن يكون شيء في معنى المفعول به، لأن عفي لا يتعدى إلى مفعول به إلا بمعد.

والمراد بالأخ ها هنا: ولي المقتول، وقيل له أخوه: لأنه يلابسه من قبل مطالبة الدم، ولأن المؤمنين إخوة. وذكره بلفظ الأخوة: ليعطف أحدهما على الآخر بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام.

وإنما عدى "عفي" باللام ومن شأنها أن تعدى بعن: لأنه إنما يتعدى بعن إذا كان الذكر للجاني المذنب، قيل: عفوت لفلان عما جنى، فيكون التقدير: فمن عفي له عن جنايته. فاستغنى عن ذكر الجناية، وقيل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} (٢) أي: ترك له بعض المستحق. وإنما قال: "شيء" إشعار بأنه إذا عفي له طرف من العفو وبعض منه تم العفو؛ فإنه إذا عفى بعض الورثة سقط القصاص ووجب الدية.

وقوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (٢) أي: فليتبع ولي الدم الذي عفى المعروف في المطالبة بالدية برفق من غير تشديد، وليؤدها القاتل المعفو عنه بإحسان من غير مطل.

{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (٢) أي: العدول من الدم إلى الدية ورحمة رحمك بها.

{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} (٢) تجاوز الحد فقتل بعد أخذ الدية {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. وذلك أن العرب كانوا يجعلون الصلح سببًا لأمن القاتل وظهوره إليهم، فيجيء ولي الدم فيقتله بعد الصلح ويرمي الدية عليهم.


(١) النسائي (٨/ ٣٦ - ٣٧).
(٢) البقرة: [١٧٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>