للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أخبر الله -تعالى- أن لعباده في شرع القصاص مصلحة كثيرة وهي البقاء ودوام الحياة، لأن القاتل إذا علم أنه متى قَتَل قُتِلَ امتنع عن القتل، فبقي هو ومن هم بقتله.

ومن كلام العرب: "القتل أنفى للقتل".

وقيل: المراد أنهم كانوا يقتلون العشرة بالواحد وأكثر، فلما فرض القصاص وهو المماثلة والمساواة. وأصله من: قص الأثر إذا اتبعه كان ذلك حياة للباقين المستزادين في القتل. هذا من فصيح القرءان المعجز لأرباب البلاغة، لأن القصاص قتل وتغريب للحياة وقد جعل مكانا فظرفا للحياة، وفيه من إصابة معجز البلاغة بتعريف القصاص وتنكير الحياة، لأن المعنى: ولكم في هذا لجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة أو نوع من الحياة؛ وهي الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل.

وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} أي: فرض عليكم.

والحر بالحر، العبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، والذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر إجماع.

فأما الحر بالعبد فلا يقتل به [عند] (١) الشافعي، ويقتل به أبو حنيفة وأصحابه.

قال الشافعي -في سياق هذا الحديث- وما قال ابن عباس في هذا كما قال -والله أعلم- وكذلك قال مقاتل، لأن الله -جل ثناؤه- إذا ذكر لقصاص ثم قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (٢) لم يجز -والله أعلم- أن يقال: إن عفي إن صولح على أخذ الدية، لأن العفو: ترك حق بلا عوض، فلم يجز إلا أن كون إن عفي عن


(١) أثبتها ليستقيم السياق.
(٢) البقرة: [١٧٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>