أدنى معرفة بالأخبار؛ علم أن مثل هذه الأخبار لا يترك حديث عائشة وابن عمر ومن ذكرناه، ومن أعجب الأشياء أنهم قالوا في حديث سفيان، عن عائشة: أنها حكت قيمة ما قطع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - برأيها؛ وربما كان عند غيرها أكثر! ولا يعتبر هذا في حديثه الذي تمسك به؟! فإن هذا التأويل واقع عليه وداخل فيه لأنه قال: كانت قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم. ومن ينكر ذلك فإن مجنًا يساوي ثلاثة، وآخر يساوي عشرة، وآخر يساوي أكثر، وآخر يساوي أقل. فابن عباس حكى الحال التي قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ذلك السارق؛ وأن المجن كانت قيمته عشرة دراهم، وغيره حكى مجنًا قيمته ثلاثة دراهم. وإذا رجعنا إلى النص الصريح انقطعت حجة كل محتج ودحضت أدلة كل مخالف.
قال الشافعي (١): قلت لبعض الناس: هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع في ربع دينار فصاعدًا، فكيف قلت: لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدا؟ وما حجتك في ذلك؟ قال: قد روينا عن شريك، عن منصور، عن مجاهد وعطاء، عن أيمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيهًا بقولنا، قلت: أتعرف أيمن؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء: فرجل صدق لعله أصغر من عطاء؛ وروى عنه عطاء حديثاً عن امرأة كعب، عن كعب فهذا منقطع؛ والحديث المنقطع لا يكون حجة، قال: فقد روى شريك، عن منصور، عن مجاهد، عن أيمن ابن أم أيمن -أخي أسامة لأمه- قلت: لا علم لك بأصحابنا أخو أسامة قتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبل مولد مجاهد، ولم يبق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحدث عنه، قال: فقد روينا عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في ثمن المجن، قال ابن عمرو: فكانت قيمة المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارًا.