للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن أبي الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا, ولكن الله حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده.

قال الشافعي -رضي الله عنه- في المجتهدين إذا اختلفوا وكان ممن له الاجتهاد وذهبوا مذهبًا محتملاً: لا يجوز على واحد منهم أن يقال له أخطأ مطلقًا, ولكن يقال لكل واحد منهم: قد أطاع فيما كلف وأصاب فيه، ولم يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه. وجعل مثال ذلك: القبلة إذا اجتهدوا فيها واختلفوا، قال: فإن قيل: فيلزم أحدهما اسم الخطأ، قيل: أما فيما كلف [فلا] (١)، وأما خطأ عين البيت فنعم، لأن البيت لا يكون في جهتين مختلفتين، فإن قيل: فيكون مطيعا بالخطأ؟ قيل: هذه مسألة جاهل يكون مطيعا بالصواب لما كلف من الاجتهاد، وغير آثم بالخطأ إذا لم يكلف صوابه بمغيب العين عنه.

وقال الشافعي -رضي الله عنه-: من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قاس عليه، فقد أدى ما كلف وحكم وأفتى من حيث أمر، كان في النص مؤديًا ما أمر به نصًا، وفي القياس مؤديًا ما أمر به اجتهادًا وكان مطيعًا لله تعالى بالأمرين، ثم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه أمرهم بطاعة الله، ثم رسوله، ثم الاجتهاد.

وقد أخرج الشافعي في كتاب حرملة: عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد".

هذا حديث صحيح متفق عليه، أخرجه البخاري (٢) ومسلم (٣)، وأورده الشافعي فيما إذا اجتهد الحاكم ثم رأى اجتهاده خالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو شيئًا في معنى هذا، رده لا يسعه غير ذلك.


(١) من المعرفة (١٤/ ٢٣٢).
(٢) البخاري (٢٦٩٧).
(٣) مسلم (٨/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>