للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يرد بقوله: حدثوا عنهم ولا حرج عليكم، إجازه أن يحدث عنهم بما لم يفهم ولم يصح أو سمع عنهم، وإنما أراد الإذن في حكاية ما سمع عنهم مما تناقلته الرواة وحكاه الناس ودار بين العلماء والمؤرخين، لا اختلاق الكذب عليهم واختراع أشياء لم تسمع عنهم، فإن ذلك إذن في صريح الكذب، والأول إن كان صحيحًا فقد حدث الراوي بما سمع، وإن كان كذبًا فالعهدة فيه على من اختلقه أو وضعه لا على من رواه وحدث به، ولأن بني إسرائيل كان فيهم من الأحوال العجيبة والآثار الغريية، التي قلما كانت في غيرهم من الأمم الخالية والقرون الماضية وما لقي منهم أنبياؤهم وعلماؤهم، وما كان فيهم من الجرأة والإقدام على سؤال أنبيائهم والطلب منهم، ويكفي ما كان منهم في زمن موسى (عليه الصلاة والسلام) من المعجزات والكرامات وإجابة الملتمسات، وكل ما يحكيه المحدث عنهم من الأمور الغريية، فإنها بمكانة من جواز وقوع مثلها منهم، ولأن زمان بني إسرائيل بعيد، والرواية عنهم بأخبرنا وحدثنا فلان عن فلان متعذرة، فقال: حدثوا عنهم بما سمعتموه على سبيل البلاغ لا سبيل الإسناد، بخلاف الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على ذلك قوله عن نفسه: "ولا تكذبوا علي" ومعلوم أن الكذب على بني إسرائيل غير جائز بحال، وإنما أراد بقوله: "ولا تكذبوا علي" إعلامًا أن الكذب حرام ولا سيما على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الحديث عني إنما أذنت فيما كان منه صدقًا وصحيحًا لا فيما كان منه كذبًا وباطلاً، فما أحسن تفهيمه، وألطف توفيقه، وأشرف مواقع خطابه - صلى الله عليه وسلم -.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: إني لأسمع حديثًا أستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أنه يسمعه سامع فيقتدي به أسمعه من الرجل لا أثق به، وقد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به قد حدثه عمن لا أثق به.

<<  <  ج: ص:  >  >>