للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تأول العلماء قوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ (١) مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} (٢) على الوجهين المذكورين في أمر القبلة وأول شأنها.

فأما من قال: إن الاستقبال أولاً كان إلى الكعبة، فقال: إن القبلة في قوله "وما جعلنا القبلة" مفعول أول لجعلنا، "والتي كنت عليها" مفعول ثان لها، التقدير: وما جعلنا القبلة الجهة -التي كنت عليها إلا لنعلم، أي وما جعلنا القبلة الكعبة إلا ليتبين من يثبت على الإسلام بتحويل القبلة، وممن ينتقل ممن كان إسلامه رغبة في موافقة أهل الكتاب في استقبال قبلتهم، وأما من قال بالقول الآخر: وهو أن الاستقبال أولًا إنما كان إلى بيت المقدس، فيكون "جعلنا" متعديًا إلى مفعول واحد بمعنى صيرنا، ومفعولُهُ "القبلة"، وقوله "التي كنت عليها" صفة للقبلة المجعولة، والمعنى: وما أمرناك أن تصلي إلى بيت المقدس -وهي القبلة التي كان عليها قبل التحويل- إلا لنعلم من يتبعك من اليهود والنصاري والمشركين ممن خالفك، لأنهم كانوا يعلمون أن بيت المقدس كان قبلة أهل الكتاب، وكانت العرب تعلم أنها كانت قبلة الأنبياء، فامتحنهم اللَّه بها ليظهر الموافق من المخالف، ولكنه علم لا يتعلق به الثواب والعقاب، لأن الثواب والعقاب إنما يتعلقان بوجود الفعل والقول -واللَّه أعلم.

وقد اختلف العلماء في النسخ إذا ورد متى يتحقق حكمه على المكلف؟ هل هو من حين وروده على الرسول، أو من حين بلوغ المكلف؟ ويحتج أحد القولين بهذا الحديث، لأنه ذكر أنهم تحولوا إلى القبلة وهم في الصلاة، ولم يعيدوا ما مضى منها، وهذا دليل على أن الحكم إنما يستقر بالبلوغ.

فإن قيل: كيف استداروا إلى القبلة عند خبر المخبر، والنسخ في هذا


(١) في الأصل [الرسل].
(٢) البقرة: [١٤٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>