للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يكون بخبر الواحد؟

قيل: فقد قيل إن النسخ بخبر الواحد كان جائزًا في زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما منع ذلك بعده.

وقيل: إن الخبر تلا عليهم الآيات التي ذُكِرَ فيها النسخ، فتحولوا عند سماع القرآن، فلم يقع النسخ بخبره وإنما وقع عندهم بما سمعوه من القرآن.

والذي أورده الشافعي في كتاب "الرسالة" -مستدلًّا على قبول خبر الواحد- قال: كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس قبل هذا، وكان الفرض عليهم فلما جاءهم آت لا يتهمونه، فأخبرهم أن القبلة حُوِّلَتْ نحو الكعبة، لم يسعهم أن يقيموا على ما عرفوا من القبلة؛ ويقولوا: خبرك وحدك إذ كان عندهم من أهل الصدق، وإنما أخبرهم بشيء للَّه لا للآدميين، ولو كانت الحجة لا تقوم بواحد إذا صدقوه، لم يكن لهم أن يدعوا القبلة التي وجههم اللَّه إليها، قبل أن يستيقنوا أن اللَّه وجههم إلى غيرها, ولا شك -إن شاء اللَّه- أن قد ذكروا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، لأنهم لا يُحَدَّثُون مثل هذا الحديث العظيم في دينهم ويطوونه عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله في لفظ الحديث "قد أُمِرَ أن يستقبل القبلة" يريد الكعبة لأن لفظ القبلة يتناول كل ما يستقبل في الصلاة، وقد كان بيت المقدس يومئذ قبلتهم، فلو صرفناه إلى قبلتهم التي هم عليها لكان خطأ، لأنهم مستقبلوها فكيف يقول لهم قد أمر أن يستقبل القبلة التي هو عليها؟ فدل أن المراد إنما هو الكعبة، وأجاز تخصيص الكعبة بالقبلة فهم السامعون لذلك، لأنهم إذا عرفوا أن صرف اللفظ إلى قِبْلتهم التي هو عليها متعذر، فُهِمَ أن المراد باللفظ غير، ولم يبق ما تطلق عليه القبلة سوى قبلتهم التي كانوا عليها إلا الكعبة، ويجوز أن يقال: إن اللام في القبلة لام العهد، وذلك على قول من قال: إن استقبال النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولًا بمكة إلى الكعبة، ثم تحول إلى بيت المقدس بمكة، فكان صرف القبلة إلى الكعبة

<<  <  ج: ص:  >  >>