للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو في جهة الشَّمَال وإن امتدت صفوفهم بحيث يخرج عن سمت البيت، ويلزم على ذلك أن كل من صلى في جهة الشمال؛ إذا توجه إلى جهة الجنوب كان متوجهًا إلى القبلة، وإن طال الصف في جهتي الشرق والغرب، ولكان قبلة أهل الشمال جميعهم قبلة واحدة وجهة واحدة، وهذا لا قائل به، فإنا نعلم يقينًا أن قبل البلاد الشمالية مختلفة وكل قوم منهم لهم قبلة تخصهم ينحرفون إليها إما يمينًا وإما يسارًا، والحال التي عليها بلاد الإسلام شاهدة بصحة ذلك في جميع الجهات شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، فإذا توهمنا هيئة المصلين في أقطار الأرض، وجدناهم يصلون في دئرة محيطة بالبيت، كل قوم منهم بقدر بُعْدِهِم وقُربِهِمْ، وإنما لسعة الأرض وبُعْد المسافة بين المصلين وبين البيت لا تظهر بالاستدارة، وتكون الصفوت في رأي العين كأنها مستقيمة، ولا يمتري عاقل أن الدائرة إذا [عظمت] (١) واتسعت؛ وأخذ من محيطها قطعة يسيرة؛ لا يتبين في تلك القطعة تقوس ولا استدارة؛ وتبين في رأى العين كأنها خط مستقيم، والعقل يقضي بالتقوس فيها والاستدارة، فلولا قصد المصلين عين البيت دون الجهة؛ لما احتاجوا إلى الانحراف؛ وتسوية قبلهم على عين ولا قصدًا للجهة.

والجواب الثاني:- نقول: إن موجب ما ذهب إليه من هذه الشبهة، رخصة فيما لا يقدر المجتهد على الإتيان به، وليست هذه الرخصة بأولى من غيرها، بل متى كانت الرخصة أقرب إلى حقيقة استقبال عين البيت، كانت أولى بالاعتماد عليها دون غيرها، لأن القائل بالجهة دون العين؛ إنما عدل عن العين إلى الجهة عند العجز عن قصد العين، فإذا أمكن مقاربة قصد العين كان أولى من تركه والعمل بغيره، وجعل ما ليس بقبلة قبلة، فإن المتوجه إلى البيت إن كان مسامتًا له بحيث إنه لو خرج من وسط وجهه خط إلى البيت لوصل إليه غير مائل إلى أحد جانبي وجهه اليمين أو اليسار، فهذا لا كلام فيه، وأنه مقابل


(١) بالأصل [عصمت] وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>