للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للبيت بجميع وجهه، وإن كان الخط المذكور مائلًا إلى أحد جانبي وجهه؛ فإنه يستتر من وجهه عن البيت بسبب الميل جزءًا يسيرًا لا يحس به؛ ولا يتناوله اجتهاده؛ فيعفى عنه كما عفى الشرع عن نظائره وما هو أكثر منه في العبادات والمعاملات وغيرها، وتصح صلاته وتكون الرخصة في هذا الجزء اليسير الذي أحدثه ميل الخط إلى جانبي الوجه، أولى من أن يترخص ويجعل ما ليس بقبلة قبلة، وهو جهة البيت لا عينه، فأما متى كان هذا الجزء الذي يحدثه الميل له قدر يُحَسُّ به ويمكن تلافيه، فإن صلاة من صلى -وهذه حاله- لا [تصح] (١)، لأنه يكون قد توجه إلى غير البيت مع القدرة على التوجه إلى عينه.

والنكتة في المسألة: أن استقبال المصلي بجميع وجهه جهة البيت وما قاربه، لا يمنع أن يكون مستقبلًا للبيت أيضًا بجميع وجهه إلا بجزءٍ يسير لا يحس به، ولا يتناوله اجتهاده فَتَصِحُّ صلاته لذلك، لاستقباله جهة البيت وما قاربه بجميع وجهه.

وإذا فرضنا لذلك مثالًا معلومًا اتضح به الفرض فليجعل صف المسلمين ألف رجل، ولأن الغالب من حال المصلين أن الرجل الواحد يحتاج إلى ذراع ونصف لموضع صلاته في الأكثر، فيحتاج ألف رجل إلى ألف وخمس مائة ذراع، وذلك نصف ميل، وليجعل بُعْد هذا الصف عن البيت إلى جهة الشمال مثلاً سبع مائة ميل، ليكون بينه وبين طول الصف نسبة، والذين يحاذون البيت من هذا الصف بجميع وجوههم، عشرين نفرًا زائدًا فناقصًا، والباقون خارجون عن سمت البيت، لكن إذا رجعنا إلى تحقيق مقدار انحراف من في طرف الصف -الأيمن والأيسر- عن الذين في وسطه، كان جزءًا يسيرًا لا يحس به ولا يتناوله الاجتهاد، فإنه مع التحقيق الهندسي الذي لا يمترى فيه ولا يمكن إنكاره، وجد ما يُحْتَاجُ أن ينحرف المصلي في طرف هذا الصف نحو الوسط، جزءًا من أربع


(١) بالأصل [تصحي] وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>