للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه وعجل به، وجد به، فإن فعل به أبلغ من أفعلته، ألا ترى أنك إذا قلت: ذهبت يزيد فإنه أبلغ من قولك: أذهبته، وذلك أن "ذهبت به" معناه: أنك أخذته من مكانه واستصحبته وذهبت فأعدمته وأخليت مكانه منه ولم يبق له فيه ولا لك أثر.

وأما أذهبته فلا يدل على أنك ذهبت أنت، ولهذا قال الله تعالى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} (١) ولم يقل أذهب وأما قوله: أعجله السفر فإن السير بعض أحوال المسافر وحكمه حكم أعجله السير.

وأما قوله: أعجله السير في السير: فإن فيه زيادة إيضاح لئلا يتوهم أن السير لم يكن في سفر ولا يخلو من حالتين: إحديهما: أن يكون سفرًا لا تقصر فيه الصلاة وهو المراد في الحديث، لأن الفقيه متى أطلق لفظ السفر وقرن به أحكام القصر والجمع والفطر؛ فإنما يعني به سفرًا مخصوصًا عنده.

والحالة الثانية: أن لا يظن أن السير كان في ضواحي البلدة ومتنزهاتها فإنه يسمى سيرًا ولا يسمى سفرًا, ولأنا قد قلنا إن السير أحد ما يشتمل عليه اسم السفر، فأضاف لفظ السير إلى السفر ليزول هذا الوهم.

وأما قوله: "عجل به أمر" فحكمه حكم عجل به السير إلا أن في لفظة "أمر" وإبدال السير بها فائدة من وجه وخللًا من وجه فأما الفائدة: فلأنها أعم من السير والسفر وهو الحقيقة السفر الموجب للعجلة.

إضافة العجلة تارة إلى السير وأخرى إلى السفر: فإنما هو محال وإنما جاز ذلك لقرب ما بينهما ولفهم المعنى؛ فإن المسافر ما يسرع في سيره إلا لباعث في نفسه اقتضى السرعة، فذكر في هذه الرواية السبب الأصلي وكنى عنه بقوله "أمر" أي حال تجددت له.

وأما تخلل الحادث بها: فإنه لفظ مطلق غير مقيد لأنه قال: إن رسول الله


(١) البقرة: (٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>