للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اضطربت، أو تكون الأولى متعلقة باضطربت والثانية متعلقة بسمعها.

وفيه وجه آخر لطيف: وذلك أنه أراد عطف الثانية على الأولى فحذف العاطف؛ ليكون أدعى له إلى إصغاء الأسماع إليه وأبعث للقلوب على تفهم خطابه؛ فإن اللفظ إذا جاء فيه نوع غرابة غير مألوفة ولا معتادة أصغى السامع إلى تدبره والفكر فيه، فحذف العاطف وجاء بالمعاني مسرودة واحداً بعد واحد؛ مؤذنا أن كل واحد منها مستقل في الإخبار بنفسه قائم برأسه صالح لأن يفرد بالغرض ويأتي بالمقصود، ومثال ذلك من المحاورات الوارد به في معرض الإعجاب والإكثار، أن يكون لك مع غيرك موعد إلى أمد مخصوص بطلوع الشمس مثلا؛ فينتهى الأمد ولم يف به وتكون أنت على أتم ترفق وأشد توقع لوفائه في انتظاره، فتقول له: انتظرتك حتى طلعت الشمس، حتى علا النهار، حتى اشتد الحر، حتى صار العصر، حتى غابت الشمس، حتى انقضى النهار وما رأيتك.

فانظر ما في تعداد هذه الأوقات غير معطوفة من المعنى الذي سجل عليه بالتقصير؛ وقضى عليه بالتكبير ما ليس فيها لو عطف بعضها على بعض؛ وذلك أنك بالعطف كانت تقصر جملة واحدة.

وبيان ذلك: أن الواو تنوب مناب الفعل الأول فتوصله إلى كل معطوف عليه، وإذا لم يأت بالعاطف احتجت أن تقدر لكل جملة من هذه الجمل فعلا غير الأول، فيفيد هذا التقدير ما لم يفد الأول.

وفيه وجه آخر: وهو أن يكون قوله: "حتى سمعها أهل المسجد" متعلقًا بما في قوله: "كحنين الناقة" وقد تقدم بيانه، وتكون حتى الثانية متعلقة باضطربت.

أخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جذع إذا كان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>