وأخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-: أخبرنا مالك، عن أبي النضر، عن مولى عمر بن عبيد الله، عن مالك بن أبي عامر:"أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته -قل ما يدع ذلك إذا خطب-: إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا، فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للسامع المنصت، فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب، فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة، ثم لا يكبر عثمان حتى يأتيه رجال قد وكّلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أن قد استوت فيكبر".
أخرج هذا الحديث مالك (١) بالإسناد واللفظ إلا أنه قال: مثل ما للمنصت السامع.
"ما" في قل زائدة جيء بها ليلي الفعل فعل آخر كما جيء بها في "ربما" ليلي "رب" فعل.
و"إذا" الأولى متعلقة بيدع، و"إذا" الثانية متعلقة بيقول، التقدير: أن عثمان كان قَلَّ ما يدع إذا خطب أن يقول: إذا قام الإمام فخطب.
ووجه التسوية بن المنصت الذي لا يستمع وبين المنصت السامع في الحظ: أن الذي لا يبلغه صوت الخطيب معذور في تعذر السماع، والذي يقدر عليه إنما هو الإنصات وهو الأصل في الاستماع، لأن من لم ينصت وإن كان يبلغه صوت الخطيب فإنه لا يسمع الخطة فسوى بينهما في الحظ لذلك.
والمراد من استماع الخطبة: ليس فرع صوت الخطيب أذن السامع حسب، إنما المراد فهم الخطبة؛ تقديرها والعمل بما فيها من موعظة ووعد ووعيد وغير ذلك.
"والتعديل" بين الأشياء: التسوية بينهما من العدل -الإنصاف- وتعديل الشيء تقويمه، تقول منه: عدلت بن الشيئين والأشياء، وعادلت مثله وعدلت فلانًا بفلان إذا سويت بينهما.