للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما انكسفت وانخسفت فغير مستعمل إلا في الكلام النازل، والظاهر أن هذا من تحريف الرواة.

"وكسفت": يكون قاصرًا ومتعديًّا تقول في القاصر: كسفت الشمس تكسف كسوفًا، وفي المتعدي كسفها الله يكسفها كسفًا.

والكسوف والخسوف: عبارة عن انمحاء ضوء الشمس والقمر.

فأما سبب كسوف الشمس وخسوف القمر: فهما وإن كانا بتقدير الله -عز وجل- وأمره وإرادته، إلا أنه سبحانه قد جعل لهما سببًا يوجدان عند وجوده، كما فرق المسببات بالأسباب في مجرى العادات عبرة لأولي الألباب السليمي الطبع، وتبصرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع فتبارك الله أحسن الخالقين، ولا يظن أن الخوض في معرفة أمثال هذه الحكم؛ والبحث عن الوقوف على أشباه هذا الخلق (١) مما يقدح في الأديان أو تنهى عنه الشرائع، كيف وقد أثنى الله-عز وجل- على طالب ذلك وفاعله فقال عز من قائل: {إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (٢).

أترى الفكر في السموات -التي أثنى الله على صاحبه- هو التعجب من لونها وحسن وضع الكواكب المنيرة فيها؛ مع الغفول عن الفكر في هيئتها وارتفاعها، وسرعة حركتها ومسير الكواكب فيها وطلوعها، وغروبها، واستقامتها ورجوعها، واختفائها، وظهورها، وعظم أجرامها، واختلاف أقدارها متلاها واستقبالها، واتصالها، وانفصالها، واجتماعها، وافتراقها،


(١) الخلق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مثال لم يُسبق إليه، وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سُبق إليه، ألا له لخلق والأمر تبارك الله أحسن الخالقين. انظر اللسان مادة: خلق.
(٢) آل عمران: ١٩٠ - ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>