للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعدها، وقربها، وخسوفها، وكسوفها، واستنارتها، وإظلامها؟ لا والله ليس الثناء على التفكر فيها إلا في أمثال هذه الأشياء وأشباهها؛ وكذلك التفكر في الأرض وما فيها من الموجودات: برها وبحرها، طولها، وعرضها، وسعتها، وجبالها، وصحارها، وآكامها، وروابيها، وأوديتها، ومنخفضها، ومرتفعها وأحجارها وصخورها، واختلاف ألوانها، وأنهارها، وأشجارها، وثمارها، وحرها، وبردها, وليلها، ونهارها، واختلاف صوت الحيوانات فيها، وأنواع الموجودات في ظاهرها وباطنها، وبيان أحوالهم وصورهم وأخلاقهم وغير ذلك مما لا ينتهى إليه وصف، ولا يحويه حد، فتبارك الخالق الباري، المصور الذي أتقن كل شيء وحكمة وعلماً, ولولا خوف الإطالة لذكرنا سبب كسوف الشمس وخسوف القمر أحسن ذكر ليزداد الذين آمنوا إيمانًا ويزداد المعطلة ضلالًا وخسرانًا، وإنما الحامل على القدح في أمثال هذه الأشياء؛ الجهل الذي يصاحبه في مهاوي الضل فينصر بظنه الدين، وهو بجهله قد خذله وندب عن الشرع وقد أسلمه.

عصمنا الله وإياكم من اتباع الهوى، ووفقنا وإياكم لاقتفاء سنن الهدى، وأوزعنا وإياكم شكر نعمة اللهم، وألهمنا وإياكم التحدث بمواقع فضيلة العلم، وهذا خاطر عنَّ له مجرى ففاض ثم اعترضه حابس فغاض فلنرجع إلى الغرض قال الشافعي -رضي الله عنه-: قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (١).

وقال: {إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في الْبَحْرِ} (٢) الآية. مع ما ذكر من الآيات في كتابه فذكر الله الآيات ولم يذكر معها سجودًا إلا مع الشمس والقمر، فأمر بأن لا


(١) فصلت: (٣٧).
(٢) البقرة: (١٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>