للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: فثبت بهذا الآثار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن الاستنجاء بالعظام؛ لمكان الجن لا لأنها لا تُطهّر كما يطهر الحجر، وجميع ما ذهبنا إليه من الاستجمار بالعظام أنه يطهّر قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي بالأحاديث المروية عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة، والباقي ظاهر.

وقد غمز البيهقي على الطحاوي ها هنا حيث يقول -بعد أن روى حديث سلمان، وجابر، وابن مسعود، وأبي هريرة عن النبي - عليه السلام - "أنه نهى عن الاستنجاء بالعظم"، وحديث رويفع بن ثابت قال: "قال لي رسول الله - عليه السلام -: أخبر الناس أن من استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدًا منه بريء"-: وهذا كله يدل على أنه إذا استنجى بالعظم لم يقع موقعه، وكما جعل العلة في العظم أنه زاد الجن، جعل العلة في الرجيع أنه علف دواب الجن، وإن كان في الرجيع أنه نجس ففي العظم أنه لا ينظف لما فيه من الدسومة، وهذا جواب عمّا زعم الطحاوي في الفرق بينهما.

قلت: كلام البيهقي عَيْنه يُشْعِرُ بالفرق الذي ذكره الطحاوي، ولكنه غفل عنه ذريعة للغمز عليه بأن قوله: "كما جعل العلة في العظم أنه زاد الجن ... " إلى آخره، يُشْعِر أن المنع عن الاستنجاء به هو كونه زادًا للجن لا لكونه لا يُطهّر الحجر فإذا كان كذلك يقع الاستنجاء به، ولكنه يأثم لارتكابه النهي، وأما الروث فإنه نجس، والنجس لا يزيل النجس، ولا سيما إذا كان رطبًا، فلذلك لا يقع به الاستنجاء موقعه، وهذا الفرق واضح كعين الشمس، فكيف يرده البيهقي على الطحاويّ؟! على أن ابن حزم قد روى في "المحلى" (١) أن عمر - رضي الله عنه - كان له عظم يستنجى به ثم


(١) "المحلى" (١/ ٩٧)، ولم يروه ابن حزم إنما ذكره في أثناء سرد أدلة المخالفين له بدون إسناد فقال: وما نعلم لهم متعلقًا إلا أنهم ذكروا أثرًا فيه: "أن عمر - رضي الله عنه - كان له عظم أو حجر يستنجي به" ثم قال: وهذا لا حجة فيه؛ لأنه شك: إما حجر وإما عظم اهـ.
ورواه ابن المنذر في "الأوسط" (١/ ٣٤٦ رقم ٢٩٩) من طريق ابن أبي ليلى، قال: "كان لعمر مكان قد اعتاده يبول فيه، وكان له حجر أو عظم في حجر، فكان إذا بال مسح به ذكره ثلاثًا ولم يمسه ماء" فتأمل احتجاج المؤلف به واعتراضه على البيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>