توضأ أحدكم فليرقد" مفسّر ذكر فيه الوضوء، وبه نأخذ. انتهى.
ولو حمل على الاستحباب، والفعل على الجواز لكان حسنًا إذ الفعل لا يدل على الوجوب بمجرده، ويمكن أن يكون الأمران جميعًا وقعا، فالفعل لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز، وقد أشار إلى هذا ابن قتيبة في كتاب "مختلف الحديث"، ولما ذكره ابن حزم مصححًا له من حديث سفيان عن أبي إسحاق قال: هذا لفظ يدل على مداومته - عليه السلام - لذلك، وهي أحدث الناس عهدًا بمبيته ونومه، جنبًا وطاهرًا.
فإن قيل: إن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان؛ لأن زهيرا خالفه.
قلنا: بل أخطأ بلا شك من خَطَّأَ سفيان بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك. انتهى كلامه.
وفيه نظر من حيث أن زهيرًا رواه كما رواه سفيان عن أبي إسحاق فيما ذكره مسلم في "التمييز"، ومن حيث أن سفيان لم يتفرد بل قد تابعه غير واحد، منهم شعبة بن الحجاج -ذكره الترمذي- وأبو حنيفة، وموسى بن عقبة، وإسماعيل بن أبي خالد -عند الطحاوي- وسليمان بن مهران، وأبو الأحوص -عند ابن ماجه- وحمزة الزيّات -ذكره الطبراني في "الأوْسط"- ثم قالوا: إنا وجدنا لحديث أبي إسحاق شواهد ومتابعين، فممن تابعه: عطاء، والقاسم، وكريب، فيما ذكره أبو إسحاق الحربيّ في كتاب "العلل"، قال: وأحسن الوجوه في ذلك -إن صح حديث أبي إسحاق فيما رواه ووافقه هؤلاء-: أن تكون عائشة أخبرت الأسود أنه كان ربما توضأ، وربما أخر الوضوء والغسل حتى يصبح، فأخبر الأسود إبراهيم أنه كان يتوضأ، وأخبر أبا إسحاق أنه كان يؤخر الغسل، وقد حكى مثل ذلك غضيف، وعبد الله بن أبي قيس، ويحيي بن يَعُمر الصنابحي، عن عائشة، وهذا أحسن وجوهه، قال: ولم يزل المتفقهة من أصحاب الحديث تكلّم في حديث أبي إسحاق، يقولون: إنه حكى عن عائشة ما خالف ما حكاه إبراهيم وعبد الرحمن، وقد وافق إبراهيم