وأخرجه مسلم (١): حدثني إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن حاتم، كلاهما عن محمد بن بكر.
وحدثني هارون بن عبد الله، قال: ثنا حجاج بن محمد.
وحدثني حجاج بن الشاعر ومحمد بن نافع، قالا: ثنا عبد الرزاق -وألفاظهم متقاربة- قالوا جميعًا: عن ابن جريج، قال: أخبرني المغيرة بن حكيم، عن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها أخبرته، عن عائشة قالت:"أعتم رسول الله - عليه السلام - ذات ليلة ... " إلى آخره نحوه سواء، وفي حديث عبد الرزاق:"لولا أن يشق على أمتي ... ".
قوله:"أعتم" أي دخل في العتمة، وقد ذكرنا معناه مستوفى عن قريب.
قوله:"ذات ليلة" هذا اللفظ وقولهم "ذات يوم" و"ذا يوم" و"ذا ليلة" كلها كناية عن يوم وليلة، والمعنى: أعتم رسول الله - عليه السلام - مدة التي هي ليلة.
قوله:"إنه لوقتها" أي إن هذا الوقت لوقت العشاء الآخرة، و"اللام" في "لوقتها" للتأكيد، وهي مفتوحة.
قوله:"لولا أن أشق" أي أثقل وأحرج، وجواب "لولا" محذوف يدل عليه: "إنه لوقتها" والتقدير: لولا أن أشق على أمتي لجعلت وقتها هذا الوقت كل وقت، ولكن تركه لوجود المشقة وإنما قلنا كذا لأن "لولا" لانتقاء الثاني لوجود الأول، نحو لولا زيد لهلك عمرو؛ فإن هلاك عمرو منتفٍ لوجود زيد، وكذلك ها هنا وجوب التأخير إلى هذا الوقت منتفٍ لوجود المشقة، وأما "لو" فإنه لانتفاء الثاني لانتفاء الأول، نحو لو جئتني لأكرمتك؛ فإن الإكرام منتفٍ لانتفاء المجيء.
فإن قيل: كان ينبغي أن تكون سنية التأخير كنية السواك حيث قال - عليه السلام -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل".