للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين سُئلا عنه: "إنه تركها" أي أن التفريط: "ترك الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة التي بعدها"، فدل ذلك أن المراد: أنه - عليه السلام - صلى الظهر في اليوم الثاني في قرب الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول، وثبت بذلك أيضًا أن وقت كل صلاة من الصلوات خلاف وقت الصلاة التي بعدها، وأن كل واحدة منهما متميزة عن غيرها بوقت محدود ومعين، وباقي كلامه غني عن الشرح.

ص: فإن اعتل معتل بالصلاة بعرفة وبِجَمْع؛ قيل له: قد رأيناهم قد أجمعوا أن الإمام بعرفة لو صلى الظهر في وقتها كما في سائر الأيام وصلى العصر في وقتها كما في سائر الأيام، وفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة، فصلى كل واحدة منهما في وقتها كما يصلي في سائر الأيام كان مسيئًا، ولو فعل ذلك وهو مقيم، أو فعله وهو مسافر في غير عرفة وجمع؛ لم يكن مسيئًا، فثبت بذلك أن عرفة وجَمْع مخصوصتان بهذا الحكم، وأن حكم ما سواهما في ذلك بخلاف حكمهما فيه، فثبت بما ذكرناه أن ما روينا عن رسول الله - عليه السلام - من الجمع بين الصلاتين أنه تأخير الأولى وتعجيل الآخرة.

ش: هذا اعتراض يَرِدُ على وجه النظر تقريره: أنكم قلتم: إن صلاة الصبح بالإجماع لا تتقدم على وقتها ولا تتأخر، وأن وقتها وقت مخصوص محدود الطرفين لا يشاركها غيرها فيه، والقياس عليها أن تكون سائر الصلوات كذلك، وأن تكون كل صلاة مخصوصة بوقت معين لا تشارك غيرها فيه؟ فما قولكم في الصلاة بعرفات، فإنه يجمع فيها بين الظهر والعصر وأنهما كان في وقت واحد، وكذلك الصلاة بجمع وهو المزدلفة فإنه يجمع فيها؟

وتقرير الجواب: أن الجمع بين الظهرين في عرفات والعشائين في مزدلفة ليس بناء على أن وقت الظهرين وقت واحد، ووقت العشائين وقت واحد، بحيث تشارك الأخرى في ذلك الوقت، وإنما هو مبني على أنه مأمور بالجمع بين الصلاتين في الموضعين المذكورين، وإنما يفعل ذلك امتثالًا للأمر ولأجل الوقوف بعرفة، ولأجل الاشتغال بالإفاضة منها إلى المزدلفة، والدليل على ذلك أن الإِمام بعرفة لو صلى كل واحدة من الظهر والعصر في وقتها المعهود كان جائزًا، ولكنه

<<  <  ج: ص:  >  >>