مسيئًا لتركه السنة، وكذلك لو صلى كل واحدة من المغرب والعشاء بمزدلفة في وقتها كان جائزًا مع الإساءة. ولو كان الجمع بينهما للمعنى الذي ذكرته لما جازت صلاته، وكذا لو فعل ذلك المُتِمُّ أو المسافر في غير هذين الموضعن لم يكن مسيئًا، فثبت بذلك أن عرفة وجمع مخصوصتان بهذا الحكم، وأن حكم ما سواهما في هذا بخلاف حكمهما فيه.
قوله:"فثبت بما ذكرناه ... " إلى آخره نتيجة كلامه الذي ذكره من تصحيح معاني الآثار، والذي ذكره من وجه النظر، أي ثبت بجميع ما ذكرنا في هذا الباب: أن معنى ما روينا عن النبي - عليه السلام - من الجمع بين الصلاتين: أنه أخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، وقدم الثانية في أول وقتها، ثم اعلم أن النُّسَخ ها هنا مختلفة من قوله:"قيل له" إلى قوله: "فثبت بما ذكرناه"، وأحسنها وأصوبها ما أثبته وترجمته بالحمرة.
قوله:"فإن اعتل معتل" المعتل ها هنا اسم فاعل، ولكنه يشترك في مثل هذه الصيغة اسم الفاعل واسم المفعول، ويحصل الفرق بالقرينة، مثل العلة ونحوها يقال هذا معتل للفاعل، ومعتل فيه للمفعول، وإنما لم يظهر الفرق بين الفاعل والمفعول في مثل هذا لأجل الإدغام، والفرق فيه تقديري؛ لأن ما قبل آخره مكسور في الفاعل، ومفتوح في المفعول، تقول: مُعْتَلِلٌ ومُعْتَلَلٌ عند فك الإدغام وإذا أدغمت إحدى اللامين في الأخرى يزول الفرق الصوري ويبقى التقديري، فافهم.
قوله:"إن عرفة وجمع" كلاهما لا ينصرفان؛ للعلمية والتأنيث، أما عرفة فإنه علم للبقعة المشهورة وفيها تأنيث لفظًا ومعنًا.
وأما "جمع" فإنه علم للمزدلفة، وفيها تأنيث معنوي؛ لأنه علم للبقعة فلا ينصرفان، فلا يدخلهما الجرّ والتنوين.
فإن قيل: قد دخل الجر في قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}(١) فما وجهه؟