للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ أبو محمد موسى بن حازم في كتاب "الناسخ والمنسوخ": قد اختلف أهل العلم في الإسفار بصلاة الصبح والتغليس بها، فرأى بعضهم الإسفار الأفضل وذهب إلى قوله: "اصبحوا بالصبح" ورآه محكمًا.

وزعم الطحاوي أن حديث الإسفار ناسخ لحديث التغليس، وأنهم كانوا يدخلون مغلسين ويخرجون مسفرين، وليس الأمر كما ذهب إليه؛ لأن حديث التغليس ثابت، وأن النبي - عليه السلام - داوم عليه حتى فارق الدنيا.

ثم روى الحديث المذكور وقال: هذا إسناد رواته عن آخرهم ثقات.

قلت: يرد هذا ما أخرجه البخاري (١)، ومسلم (٢): عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود قال: "ما رأيت رسول الله - عليه السلام - صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها".

قال العلماء: يعني وقتها المعتاد في كل يوم، لا أنه صلاها قبل الفجر، وإنما غلس بها جدًّا وتوضحه رواية البخاري: "والفجر حين نزع"، وهذا دليل على أنه - عليه السلام - كان يسفر بالفجر دائمًا، وقلَّما صلاها بغلس، وبه استدل الشيخ في "الإِمام" لأصحابنا، على أن أسامة بن زيد قد تُكُلِّم فيه، فقال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي والدارقطني: ليس بقوي. فثبت بهذا أن زعم الطحاوي صحيح، وأن رد الحازمي كلام الطحاوي ردٌّ غير صحيح، والحق أحق أن يتبع.

وقد تكلم البيهقي ها هنا كلامًا فيه تحامل على الطحاوي، وسنذكره مع جوابه في موضعه عن قريب إن شاء الله تعالى.

ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي (ح).


(١) "صحيح البخاري" (٢/ ٦٠٤ رقم ١٥٩٨).
(٢) "صحيح مسلم" (٢/ ٩٣٨ رقم ١٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>