للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: أشار بهذا الكلام إلى أن استدلال كل واحد من الفريقين بالأحاديث التي ذكرها كل فريق للاحتجاج لا يتم به؛ وذلك لأنه قد يجوز أن يكون - عليه السلام - فعل التغليس والحال أن الإسفار أفضل، ويجوز أن يكون فعل الإسفار والحال أن التغليس أفضل توسعة بذلك على أمته، كما فعل كذلك في الوضوء حيث توضأ مرة مرة، والحال أن الثلاث كان أفضل، فإذا كان كذلك فلا يتم استدلال بذلك، فيتعين الرجوع إلى غير هذا ليوقف على أي شيء أفضل، فنظرنا في ذلك فوجدنا رافع بن خديج - رضي الله عنه - قد روى عن النبي - عليه السلام -: "أسفروا بالفجر". وفي رواية: "نوروا" وكذا روي عن غيره بصيغة الأمر على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

فدل ذلك على أن الإسفار أفضل من التغليس؛ فحينئذ يتم استدلال أهل المقالة الثانية، وتقوم حجتهم على ساقها.

فإنْ قيل: فعل هذا ينبغي أن يكون الإسفار واجبًا لمقتضى الأوامر فيه.

قلت: الأمر إنما يدل على الوجوب إذا كان مطلقًا مجردًا عن القرائن الصارفة إلى غيره، والأوامر التي وردت في الإسفار ليست كذلك، فلا يدل إلا على الاستحباب.

ثم إنه أخرج حديث رافع بن خديج من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن على بن شيبة بن الصلت السدوسي، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن محمد بن عجلان القرشي روى له الجماعة، البخاري مستشهدًا، عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري روى له الجماعة، عن محمود بن لبيد بن عتبة بن رافع الأنصاري ذكره مسلم في التابعين من الطبقة الثانية وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال: له صحبة، قال: وقال أبي: لا يعرف له صحبة. قال أبو عمر: قول البخاري أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>