للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: قد قال البيهقي (١): رجح الشافعي: حديث عائشة - رضي الله عنها - بأنه أشبه بكتاب الله -عز وجل - الله تعالى يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (٢) فإذا دخل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة المقدم للصلاة، وأن رسول الله - عليه السلام - لا يأمر بأن تُصلى صلاة في وقت يصليها في غيره، وهذا أشبه بسنن رسول الله - عليه السلام - وذكر حديث (٣) "أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله" وهو لا يؤثر على رضوان الله شيئًا، والعفو لا يحتمل إلا معنيين: عفو عن تقصير، أو توسعة. والتوسعة تشبه أن يكون الفضل في غيرها إذا لم يؤمر بترك ذلك الغير الذي وُسِّع في خلافه -يريد الوقت الأول- قال: وقد أبان رسول الله - عليه السلام - مثل ما قلنا، وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال:"الصلاة في أول وقتها" وهو لا يدع موضع الفضل ولا يأمر الناس إلا به.

وقال: قال الشافعي في حديث رافع: له وجه يوافق حديث عائشة ولا يخالفه، وذلك أن رسول الله - عليه السلام - لما حضَّ الناس على تقديم الصلاة، وأخبر بالفضل فيها احتمل أن يكون من الراغبين من يقدمها قبل الفجر الآخر، فقال: "أسفروا بالفجر" حتى يتبين الفجر الآخر معترضًا فأراد - عليه السلام -فيما نرى- الخروج من الشك، حتى يصلي المصلي بعد اليقين بالفجر، فأمرهم بالإسفار أي بالتبين.

قلت: المراد بالآية والمحافظة فيها: هو المداومة على إقامة الصلوات في أوقاتها، وليس فيها دليل على أن أول الوقت أفضل، بل هي دليل لنا؛ لأن الذي يسفر بالفجر يترقب الإسفار في أول الوقت، فيكون هو المحافظ المداوم على الصلاة؛ ولأنه ربما تقع صلاته في التغليس قبل الفجر، فلا يكون محافظًا للصلاة في وقتها.

قوله: "وإن رسول الله - عليه السلام - لا يأمر بأن تصلى صلاة ... " إلى آخره يوهم رد حديث رافع المذكور، وليس هذا بصحيح؛ لأنه ثبت من طريق صحيح عن


(١) "معرفة السنن والآثار" (١/ ٤٧٢ - ٤٧٣).
(٢) سورة البقرة، آية: [٢٣٨].
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤٣٦ رقم ١٨٩٣)، والدارقطني في "سننه" (١/ ٢٤٩ رقم ٢١) من حديث ابن عمر، وأخرجه بنحوه الترمذي (١/ ٣٢١ رقم ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>