للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحدث، عن أبي الزاهرية، عن أبي الدرداء، عن النبي-عليه السِلام- قال: "أسفروا بالفجر تفقهوا". وقد ذكرناه مرة عن قريب.

قوله: "فإنه أفقه لكم" أي الإسفار أبين لكم، والفقه في اللغة الفهم، والبيان لازمه.

قوله: "تريدون أن تخلوا بحوائجكم" من خلوت بالشيء خلوة وخلاء إذا اشتغلت به وتفرغت له، ومراده أنكم تستعجلون في الصلاة ولا تطيلون القراءة إلى الإسفار لتختلوا بحوائج الدنيا وتشتغلوا بها، وإنكاره عليهم في هذا لا في دخولهم وقت الغلس، ولو لم يكن عنده علم من إستحباب الإسفار لما أنكر عليهم بذلك؛ فدل ذلك على أن التغليس وحده لا ينبغي أن يفعل وإنما التغليس المستحب هو الذي يكون آخره إسفار فافهم.

ص: قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما معنى ما روي عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النساء كن يصلين الصبح مع رسول الله - عليه السلام - ثم ينصرفن وما يعرفن من الغلس".

قيل: يحتمل أن يكون هذا قبل أن يؤمر بإطالة القراءة فيها؛ فإنه قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا مرجَّا بن رجاء، قال: ثنا داود -يعني داود بن أبي هند- عن السبيعي، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أول ما فرضت الصلاة: ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله - عليه السلام - المدينة وصل إلى كل صلاة مثلها، غير المغرب فإنها وتر، وصلاة الصبح؛ لطول قراءتها، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى".

قال أبو جعفر: فأخبرت عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث أن رسول الله أن - عليه السلام - كان يصلي قبل أن يتم الصلاة على مثال ما يصلي إذا سافر، وحكم المسافر تخفيف الصلاة، ثم أحكم بعد ذلك فزيد في بعض الصلاة، وأمرنا بإطالة بعضها، فيجوز -والله أعلم- أن يكون ما كان يفعل من تغليسه بها، وانصراف النساء المؤمنات منها ولا يعرفن من الغلس، كان في ذلك الوقت الذي كان يصليها فيه على مثال ما

<<  <  ج: ص:  >  >>