تصلى فيه الآن في السفر، ثم أُمِرَ بإطالة القراءة فيها، وأن يكون مفعوله في الحضر بخلاف ما يفعل في السفر من إطالة هذه وتخفيف هذه، وقال:"أسفروا بالفجر" أي أطيلوا القراءة فيها, ليس ذلك على أن تدخلوا فيها في آخر وقت الإسفار، ولكن تخرجوا منها في وقت الإسفار.
فثبت بذلك نسخ ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - مما ذكرنا، مع ما قد دل على ذلك أيضًا من فعل أصحاب النبي -عليه السِلام- من بعده، في إصابتهم الإسفار في وقت إنصرافهم منها واتفاقهم على ذلك حتى لقد قال إبراهيم النخعي ما قد حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم قال:"ما اجتمع أصحاب محمَّد - عليه السلام - على شيء ما اجتمعوا على التنوير".
قال أبو جعفر -رحمه الله-: فأخبر أنهم قد كانوا اجتمعوا على ذلك، فلا يجوز عندنا -والله أعلم- اجتماعهم على خلاف ما قد كان النبي - عليه السلام - فعله إلا بعد نسخ ذلك، وثبوت خلافه، فالذي ينبغي: الدخول في الفجر في وقت التغليس، والخروج منها في وقت الإسفار، على موافقة ما روينا عن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه - رضي الله عنهم - هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: هذا السؤال وارد على ما تقدم من معنى الإسفار بصلاة الصبح، وهو أن يدخل فيها بالغلس، ويمدها بالقراءة إلى أن ينصرف عنها بالإسفار، تقريره: أن ما ذكرتم ينافيه حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أن النساء كن يصلين الصبح ... " إلى آخره؛ لأنه يدل على أنهم كانوا يدخلون فيها بالغلس، ويخرجون منها بالغلس.
وتقرير الجواب ملخصًا: أن حديث عائشة - رضي الله عنها - منسوخ بوجهين:
الأول: أن عائشة أخبرت في حديثها: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ... " إلى آخره، أن النبي - عليه السلام - كان يصلي قبل أن تتم الصلاة مثل المسافر بتخفيف القراءة، ولما أحكم الأمر وزيدت الصلاة التي زيدت أُمر بإطالة القراءة في صلاة الصبح عوضًا عن الزيادة، كالجمعة قصرت على الركعتين لمكان الخطبة، وذلك