للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "لتبكير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها" أي لتعجيل رسول الله - عليه السلام - بالعصر، وبه استدل الشافعي وأحمد وإسحاق وعبد الله بن المبارك أن الأفضل تعجيل العصر، وقال الترمذي: وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي - عليه السلام -: منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس وغير واحدٍ من التابعين في تعجيل صلاة العصر، وكرهوا تأخيرها، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال عياض: هذا الحديث وأشباهه حجة للجماعة في أن أول وقت العصر القامة، وأن صلاتها لأول وقتها أفضل، ورد على من خالفهم؛ إذْ لو كان القامتان كما قال أبو حنيفة لما اتفق أن يجدوا بني عمرو يصلون إلا في الاصفرار ولا وصلوا إلى قباء والعوالي إلا بعد سقوط الشمس ونزولها وتغيرها، وكذا قال الشيخ محيي الدين: المراد من هذه الأحاديث المبادرة بصلاة العصر أول وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس بعدُ لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة.

ثم قال: وفيها دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور؛ أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل وقته حتى يصير ظل كل شيء مثليه، وهذه حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس (١) في بيان المواقيت، وحديث جابر (٢) وغير ذلك.

قلت: الجواب من جهة أبي حنيفة أنه - عليه السلام - أمر بالإبراد بالظهر بقوله: "أبردوا بالظهر" يعني صلوها إذا سكنت شدة الحَرِّ، واشتداد الحر في ديارهم يكون وقت صيرورة ظل كل شيء مثله، ولا يفتر الحرُّ إلا بعد المثلين، فإذا تعارضت الأخبار يبض ما كان على ما كان، ووقت الظهر ثابت بيقين فلا يزول بالشك، ووقت


(١) أخرجه أبو داود في "سننه" (١/ ١٦٠ رقم ٣٩٣)، والترمذي في "جامعه" (١/ ٢٧٨ رقم ١٤٩)، وأحمد في "المسند" (١/ ٣٣٣ رقم ٣٠٨١).
(٢) أخرجه الترمذي في "جامعه" (١/ ٢٨١ رقم ١٥٠)، والنسائي في "المجتبى" (١/ ٢٥٥ رقم ٥١٣)، وأحمد في "المسند" (٣/ ٣٣٠ رقم ١٤٥٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>