ورواه أبو أحمد الحاكم في "الكنى": من حديث يزيد بن هارون، أنا شعبة ... فذكره، وفيه:"والفجر من حين يطلع الفجر إلى أن ينفسح البصر".
ص: فإن قال قائل: وكيف يكون ذلك كذلك وقد روي عن أنس - رضي الله عنه - في ذم من يؤخر العصر؟ فذكر في ذلك ما قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن العلاء بن عبد الرحمن، أنه قال:"دخلت على أنس بن مالك بعد الظهر، فقام يصلي العصر، فلما فرغ من صلاته، ذكرنا تعجيل الصلاة -أو ذكرها- فقال: سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول: تلك صلاة المنافقين -قالها ثلاثًا- يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس، وكانت بين قرني شيطان -أو على قرني الشيطان- قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله -عز وجل- فيهن إلا قليلًا".
قيل له: قد بيَّن أنس في هذا الحديث التأخير المكروه ما هو، إنما هو التأخير الذي لا يمكن بعده أن يصلي العصر إلا أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا، فأما صلاة يصليها متمكنًا ويذكر الله فيها متمكنًا قبل تغير الشمس، فليس ذلك من الأول في شيء، وأولى بنا في هذه الآثار لما جاءت هذا المجيء أن نحملها ونُخَرِّج وجوهها على الاتفاق، لا على الخلاف والتضاد، فنجعل التأخير المكروه فيها هو ما بينه العلاء عن أنس، ونجعل الوقت المستحب من وقتها أن تصل فيه هو ما بينه أبو الأبيض عن أنس، ووافقه على ذلك أبو مسعود - رضي الله عنه -.
ش: أي كيف يكون ما ذكرتم كما ذكرتم أنه يدل على أنه - عليه السلام - قد كان يؤخرها؟
تقرير السؤال: أنه - عليه السلام - ذَمِّ من يؤخر العصر في حديث أنس هذا، وذلك لا يكون إلا في شيء مكروه، فدَلَّ أن تأخير العصر مكروه.
وتقرير الجواب: أن حديث أنس هذا وارد في التأخير المكروه، وهو أن تؤخر إلى أن يبقى من الوقت قدر ما يسع فيه أربع ركعات بالضيق بحيث لا يقدر على ذكر الله تعالى فيها إلا شيئًا قليلًا، فهذا هو التأخير المذموم صاحبه، العلوم عليه، وأما الصلاة التي يصليها متمكنًا بسعة في الوقت، ويذكر الله فيها كثيرًا متمكنًا قبل تغير الشمس فليست بمكروهة ولا صاحبها بمذموم عليها، وبهذا يحصل الاتفاق