ثلاث كان رسول الله - عليه السلام - يعمل بهن تركهن الناس: كان يرفع يديه في الصلاة مدًّا، ويسكت هنية، ويكبِّر إذا سجد وإذا رفع".
قوله: "مدًّا" نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي رفعًا مدًّا، ويجوز أن يكون بمعنى مادًّا، ويكون حالًا من الضمير الذي في "رفع"، والتقدير: حال كونه مادًّا يديه.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الرجل يرفع يديه إذا افتتح الصلاة مدًّا، ولم يوقتوا في ذلك شيئًا، واحتجوا بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: العراقيين من أصحاب مالك، وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة، ولم يعينوا في ذلك شيئًا من بلوغ اليدين إلى أين تكون؟ ولكن قالوا: يمدها مدًّا بأن تكون رؤس أصابعهما مما يلي السماء صفة النابذ، وقال سحنون من المالكية: يكونان مبسوطتين، بطونهما مما يلي الأرض، وظهورها مما يلي السماء، وهي صفة الزاهد.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: محمَّد بن سيرين وابن أبي ذئب وسالم بن عبد الله والشافعي ومالكًا وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: السُنَّة أن يرفع المصلي يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وقد نقل ذلك عن عمر وابنه وأبي هريرة، وقد روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - "أنه كان يرفع يديه في الإحرام حذو منكبيه، وفي غيره دون ذلك" (١).
وقال القاضي عياض: اختلفت الروايات في ذلك؛ ففي رواية: "حتى يحاذي
(١) أخرجه أبو داود في "السنن" (١/ ٢٥٦ رقم ٧٤٢)، ومالك في "الموطأ" (١/ ٧٧ رقم ١٦٨)، "مسند الشافعي" (١/ ٢١٢ رقم ١٠٢٣).