للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: الدارقطني: إسناده صحيح.

قلت: الجواب عن الأول: أن الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد صحة الدليلين، وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف حديث الإخفاء فإنه صحيح صريح ثابت مخرج في الصحيح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة، وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه وهو ضعيف، كحديث الطير وحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" وحديث: "من كنت مولاه فعلي مولاه" بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلَّا ضعفًا، وأحاديث الجهر لم يروها إلَّا الحاكم والدارقطني، فالحاكم عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة، والدارقطني قد ملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة والغريبة والشاذة والمعللة، وكم فيه من حديث لا يوجد في غيره، وقد حكي أن الدارقطني لما دخل مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة، فصنف فيه جزءًا، فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي - عليه السلام - في الجهر فليس بصحيح، وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف.

وعن الثاني: أن هذه الشهادة وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات، وعند البعض هما سواء، وعند البعض النافي مقدم على المثبت، وإليه ذهب الآمدي وغيره.

وعن الثالث: أن ما روي من إنكار أنس لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في الصحيح، ويحتمل أن يكون أنس - رضي الله عنه - نسى في تلك الحال لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرًا كما سئل يومًا عن مسألة، فقال: "عليكم بالحسن فاسألوه؛ فإنه حفظ ونسينا" (١) وكم ممن حدث ونسى، ويحتمل أنه سأله عن ذكرها في الصلاة أصلًا، لا عن الجهر بها وإخفائها.


(١) "الطبقات الكبرى" (٧/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>