للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النص الصريح المقتضي للإسرار، ولو أخذ الجهر من هذا الإطلاق لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن؛ فإنه قال: "فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ أم القرآن" والعطف يقتضي المغايرة.

وجواب آخر عن هذا الحديث: أن قوله: "فقرأ أو قال" ليس بصريح أنه سمعها منه؛ إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيمًا أنه قرأها سرًّا، ويجوز أن يكون سمعها منه في مخافتته لقربه منه، كما روى عنه من أنواع الاستفتاح وألفاظ الذكر في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده، ولم يكن ذلك منه دليلًا على الجهر.

وجواب آخر: أن التشبيه لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك يتحقق في التكبير وغيره دون البسملة، فإن التكبير وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر، فينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل وجه أن يقولوا بالجهر بالتعوذ. لأن الشافعي (١) روى: أخبرنا ابن محمَّد الأسلمي، عن ربيعة بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح: "أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعًا صوته في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن: ربنا إنا نعوذ إلى من الشيطان الرجيم"، فهلّا أخذوا بهذا كما أخذوا بجهر البسملة.

مستدلين بما في "الصحيحين" (٢) عنه: "فما أسمعنا - عليه السلام - أسمعناكم وما أخفانا أخفينا عنكم"، وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة وهو الراوي عن النبي - عليه السلام - قال: "يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال الله:


(١) "مسند الشافعي" (١/ ٣٥ رقم ١٣٨) بنحوه.
(٢) البخاري (١/ ٢٦٧ رقم ٧٣٨)، ومسلم (١/ ٢٩٧ رقم ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>