وقد أشار الترمذي (١): إلى ذلك حيث أسنده من حديث يعلى: "أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي - عليه السلام - ... " فذكر الحديث بمعناه.
ثم قال: غريب حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث الليث، عن ابن أبي مليكة، عن يعل عن أم سلمة. وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة:"أنه - عليه السلام -كان يقطع قراءته"، وحديث الليث أصح؛ ولأجل ذلك قال الطحاوي في كتاب "الرد على الكرابيسي": لم يسمع ابن أبي مليكة هذا الحديث من أم سلمة، واستدل عليه بهذا الإسناد الذي ذكره ها هنا، فإذا كان الطريق الصحيح هو الذي أخرجه الليث، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى، عن أم سلمة، فليس فيه حجة لهم؛ لأن فيه ذكر قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من أم سلمة نعت منها لقراءة رسول الله - عليه السلام - لسائر القرآن كيف كانت، وليس فيه ما يدل أن رسول الله - عليه السلام - كان يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فحينئذ يكون معناه غير معنى الحديث الذي رواه ابن جريج.
وأيضًا فإنه يمكن أن أم سلمة سمعته سرًّا في بيتها لقربها منه، وأيضًا كان قصدها الإخبار بأنه - عليه السلام - كان يرتل قراءته ولا يسردها.
قوله:"وقد يجوز أيضًا ... " إلى آخره جواب بطريق التسليم، بيانه: أنا ولو سلمنا أن طريق حديث ابن جريج صحيح، ولكنا لا نسلم أنه يدل على ما ذكرتم؛ لأنه يجوز أن يكون تقطيع فاتحة الكتاب في حديث ابن جريج كان منه حكايته للقراءة المفسرة حرفًا حرفًا، التي حكاها الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة، فحينئذ لا يكون في حديث أم سلمة حجة لأحد مطلقًا، سواء كان من هذا الطريق أو من ذاك الطريق.