وذلك لأن غير المشتق يقع حالًا بالتأويل، والمعنى في الحديث: فوصفت قراءة ظاهرة حال كونها معدودة بحرف حرف، و"حرفًا" الثاني كرر للتأكيد، فافهم.
ص: وقالوا لهم أيضًا فيما رووه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهم - في قوله {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}(١): أما ما ذكرتموه من أنها هي السبع المثاني فإنا لا ننازعكم في ذلك، وأما ما ذكرتموه من أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} منها فقد روي هذا عن ابن عباس كما ذكرتم، وقد رُوي عن غيره ممن روينا عنه في هذا الباب أنه لم يجهر بها ما يدل على خلاف ذلك، ولم يختلفوا جميعًا أن فاتحة الكتاب سبع آيات، فمن جعل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} منها عدها آية، ومن لم يجعلها منها عد عليهم آية، ولما اختلفوا في ذلك وجب النظر، وسنبين ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
ش: أي قال أهل المقالة الثانية لأهل المقالة الأولى في جواب حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس الذي استدلوا به على أن البسملة آية من الفاتحة وأنها يجهر بها حيثما يجهر، بيان ذلك: أن الذي ذكرتم من أن الفاتحة هي السبع المثاني مسلَّم لا نزاع فيه لأحد معكم، ولكن النزاع في أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هل هي في الفاتحة أم لا؟ فالذي روي عن ابن عباس كما ذكرتم أنها من الفاتحة، ولكن روي عن غيره أنها ليست من الفاتحة؛ إذ لو كانت آية منها لجهر بها كما جهر بالفاتحة، ولما وقع الاختلاف في هذا وجب النظر، ولم يذكر الطحاوي وجه النظر ها هنا وأحاله على موضع آخر والظاهر أنه ذكره في كتابه "الرد على الكرابيسي" وجه النظر في ذلك أنهم اتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات بلا خلاف لأحد، ولكن الخلاف في كيفية العدد، فقراء الكوفيين عدوا البسملة آية منها ولم يعدوا عليهم، وقراء البصريين عدوا عليهم ولم يعدوا البسملة، ثم اتفق كلهم على أن سورة الكوثر مثلًا ثلاث آيات، وسورة الإخلاص أربع آيات، وليس في ذلك خلاف لأحد، فمتى قلنا: إن البسملة آية من أول كل سورة يلزم أن تكون سورة الكوثر أربع آيات، وسورة الإخلاص خمس