للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواه مسلم (١) وأبو داود (٢)؛ وذلك لأن الطهارة تارة تستعمل عن الحدث وتارة عن الخبث، ولا حدث على الإناء فبقي الخبث، وأما مالك فحمله على التعبد؛ لاعتقاده طهارة الماء والإناء، وربما رجحه أصحابه بذكر هذا العدد الخصوص بالسبع؛ لأنه لو كان للنجاسة لاكتفي بما دون السبع؛ فإنه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة وقد اكتفي فيها بما دون السبع، والحمل على الأول وهو التنجس أقوى؛ لأنه شيء دار الحكم بين كونه تعبدا وبين كونه معقول المعنى، فالثاني أولى لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى، وأما كونه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة فممنوع.

الثالث: أن العلة من الحكم المذكور هي النجاسة، وقيل: القذارة لاستعماله النجاسات، وقيل: علته لأنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا؛ فغُلِّظ عليهم بذلك، ومنهم من قال: إنَّ ذلك معلل بما يتقى من كَلِب الكَلْب، والعدد السبع قد جاء في مواضع من الشرع على جهة الطب والتداوي، وفيه نظر؛ لأن الكَلْب الكَلِب لا يقرب الماء؛ على ذلك جماعة من الأطباء.

الرابع: أن ظاهر الأمر فيه يدل على الوجوب، وعن مالك أنه للندب، وقد اتفق أصحابنا وجمهور الشافعية وجماعة من المعتزلة على أن الأمر المطلق -أي المتجرد عن القرائن الدالة على الوجوب أو العدم- أنه للوجوب وأنه حقيقة فيه، مجاز فيما سواه، وذهب بعض فقهاء أهل السنة وجماعة من المعتزلة إلى أنه حقيقة في الندب مجاز فيما سواه، وذهب طائفة إلى أنه حقيقة للطلب المشترك بين الوجوب والندب، وهو ترجيح الفعل على الترك فتكون من الاشتراك المعنوي، وقيل: مشترك بينهما باشتراك لفظي، وقيل: مشترك بين الوجوب والندب والإباحة بالاشتراك اللفظي.


(١) "صحيح مسلم" (١/ ٢٣٤ رقم ٢٧٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) "سنن أبي داود" (١/ ١٩ رقم ٧١) من حديث أبي هريرة أيضًا، ووقع فيهما: "طهور إناء أحدكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>