للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: قد قلت أولًا بأنها ليست من القرآن، وأقمت عليه برهانًا، ثم تقول ها هنا: ونحن نقول بأنها من القرآن، أثبتت في هذه المواضع لا على أنها من السور.

قلت: معنى قولنا: إنها ليست من القرآن: ليست من الفاتحة ولا من آيات كل سورة هي مكتوبة عليها، ومعنى قولنا: إنها من القرآن كونها آية مفردة مستقلة بذاتها أنزلت للفصل بين السور وليست من الفاتحة ولا من أول كل سورة، ولكن الذي يفهم من عبارة الطحاوي وأبي بكر بن العربي أنها ليست من القرآن مطلقًا، وإنما هي لابتداء القراءة والفصل بين السورتين، وأما التي في سورة النمل فلا خلاف فيه لأحد أنها من القرآن، ولكنها ليست بآية كاملة؛ لأن الآية الكاملة من قوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} (١) إلى آخره.

وروي (٢) أنه - عليه السلام -: كان يكتب في أوائل الكتب: باسمك اللهم حتى نزل {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} (٣) فكتب بسم الله، ثم نزل قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (٤) فكتب فوقه الرحمن، فنزلت قصة سليمان - عليه السلام - فكتبها حينئذٍ".

وقال الشعبي ومالك وقتادة وثابت: "إن النبي - عليه السلام - لم يكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى نزلت سورة النمل".

والحاصل أن مذهب المحققين أنها من القرآن حيث كتبت، وأنها مع ذلك ليست من السور، بل كتبت آية في كل سورة، وكذلك تتلى آية مفردة، في أول كل سورة كما تلاها النبي - عليه السلام - حين أنزلت عليه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (٥) وهذا قول


(١) سورة النمل، آية: [٣٠].
(٢) "مصنف ابن أبي شيبة" (٧/ ٢٦١ رقم ٣٥٨٩٠).
(٣) سورة هود، آية: [٤١].
(٤) سورة الإسراء، آية: [١١٠].
(٥) سورة الكوثر، آية: [١].

<<  <  ج: ص:  >  >>