للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أكد بعضهم صحة ما ذكره الطحاوي من التأويل المذكور بما روي عن أنس قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي - عليه السلام -، ثم يرمي أحدنا فيرى موقع نبله" (١) وفي رواية غيره: "وهم يبصرون موقع النبل على قدر ثلثي ميل" (٢) فلما كان هذا المقدار

وقت انصراف رسول الله - عليه السلام -من صلاة المغرب استحال أن يكون ذلك وقد قرأ فيها الأعراف ولا نصفها ولا ثلثها.

قلت: هذا ما ذكره الطحاوي على ما يجيء الآن، ولكن فيه نظرة لأن حديث أنس لا يدل على أنه - عليه السلام - كان دائمًا يصلي المغرب نحو ما ذكره حتى يصحح به التأويل المذكور، بل فعل النبي - عليه السلام - في هذا مختلف، وكذلك الروايات عنه مختلفة في تطويله القراءة فيها أحيانًا وتخفيفه أحيانًا، وكل ذلك كان ليدل على سعة الأمر، وأنه لا حد في قراءة لصلاة من الصلوات لا يتعدى، وأنه - عليه السلام - كان يفعل كل ذلك بحسب حال من وراءه وبحسب وقته من ابتداء الصلاة أول الوقت، إذْ يمكنه، أو الأعذار الحادثة فيه فافهم.

ثم إسناد حديث هشيم صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا صالحًا وإبراهيم ابن أبي داود.

وأخرجه الطبراني (٣): ثنا علي بن عبد العزيز، نا أبو عبيد، نا هشيم، ثنا سفيان بن حسين، عن الزهري، قال هشيم: ولا أظن إلا قد سمعته من الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير قال: "أتيت النبي - عليه السلام - لأكلمه في أسارى بدر فوافيته وهو يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء، فسمعته وهو يقول أو يقرأ وقد خرج صوته من المسجد {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} (٤) فكأنما صدع قلبي".


(١) أخرجه أبو داود (١/ ١٦٧ رقم ٤١٦)، وأحمد (٣/ ١٨٩ رقم ١٢٩٨٧).
(٢) "شرح معاني الآثار" (١/ ٢١٣ رقم ١١٦٩) عن بعض بني سلمة.
(٣) "المعجم الكبير" (٢/ ١١٦ رقم ١٤٩٩).
(٤) سورة الطور، آية: [٧ - ٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>