للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - عليه السلام - إلى هذه الآية، وأنه قد كمل السورة بعده بحضرته، ولم يذكر جبير من الآيات التي قد أدركها إلا هذه الآية وهي قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (١) إما لأنه أول آية قد أدركها، داما لأن هذه الآية هي التي قد صدعت قلبه لكونها تخبر عن وقوع عذاب الله تعالى بلا ريب.

والثاني: أن إنكار زيد بن ثابت أو أبي زيد الأنصاري على مروان بن الحكم حين قرأ بسورة يس بقوله: "لم تقصر صلاة المغرب وكان رسول الله - عليه السلام - يقرأ فيها بأطول الطوليين الأعراف؟ ". فلو لم يكن مراده الأعراف بتمامه لما وقع الإنكار في محله، مع أن مروان قد كان قرأ بسورة يس.

والجواب الصحيح: أن يقال: إنه - عليه السلام - قد فعل هذا أحيانًا إما لبيان جواز الإطالة في المغرب، وإما لأنه قد علم أن من وراءه في ذلك الوقت ما كان يشتي ذلك عليهم، وإما لبيان أن الأمر على السعة، وأنه لا حد معلومًا في قراءة صلاة من الصلوات، وأن ذلك يفعل بحسب حال الوقت وبحسب حال المصلي، وقال القاضي عياض: وما ورد من إطالته - عليه السلام - في بعض الصلوات فإنه قد ورد ما يعارضه، وهو قوله - عليه السلام -: "إن منكم منفرين، فأيكم أمَّ الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة" (٢). وهذا أمر منه - عليه السلام - بالتخفيف، وإشارة للتعليل؛ فيبطل تطرق الاحتمال إليه، وهذا وقول جابر بن سمرة: "وكانت صلاته بعد تخفيفًا" وحدث أنس بنحوه يقضي على جميع مختلف الآثار، وأنه هو الذي شرعه - عليه السلام - للأئمة، وهو موضع البيان، وما خالفه من فعله فبحسب زوال العلة وهي السفر، وكون الصائم ورائه أو المتعجل، أو ضيق الوقت ونحو ذلك، على أنه - عليه السلام - كان يخفف الصلاة لسماع بكاء الصبي انتهى.


(١) سورة الطور، آية: [٧].
(٢) متفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -، البخاري (١/ ٢٤٨ رقم ٦٧٠)، ومسلم (١/ ٣٤٠ رقم ٤٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>