معاذ قراءة سورة البقرة في صلاته معهم، ونسبه إلى الفتنة وتنفير الناس عن الجماعة، وأمره بأن يقرأ بالسور القصيرة من سور المفصل، وهو معنى قوله:"قالوا: فقد أنكر، أي قال أهل المقالة الثانية ... إلى آخره.
قوله: "فإن كانت تلك الصلاة" أي الصلاة التي صلاها معاذ معهم وقرأ فيها بسورة البقرة هي صلاة المغرب، فقد ضاد هذا الحديث حديث زيد بن ثابت وحديث جبير بن مطعم وحديث أم الفضل ونحوها مما يشابهها؛ لأن أحاديث هؤلاء تقتضي أن يكون المستحب قراءة السور الطويلة نحو السور التي ذكرت في أحاديثهم، وهذا الحديث يقتضي كراهة ذلك، فبينهما تضاد، هذا الذي ذكره.
وفيه نظر؛ لأن أحاديث هؤلاء إذا كانت محمولة على بيان امتداد وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق الأبيض أو الأحمر على الاختلاف أو على حسب من وراءه الراغبين لذلك، وهذا الحديث إذا كان محمولًا على ضيق الوقت إن كانت الصلاة مغربًا وعلى حسب من وراءه من أصحاب الأعذار والحاجات، وإذا كانت الصلاة عشاء، فلا تضاد ولا تنافي فافهم.
قوله: "وإن كانت هي صلاة العشاء" أي وإن كانت صلاة التي صلاها معاذ هي صلاة العشاء الآخرة، فقد كره - عليه السلام - أن يقرأ بنحو سورة البقرة مع سعة وقت العشاء، فإذا كان كذلك ففي صلاة المغرب مع ضيق وقتها أحرى وأصلى أن تكون القراءة الطويلة مكروهة.
فإن قيل: قد صرح في الحديث أن تلك الصلاة كانت صلاة العشاء فمن أين هذا الترديد؟
قلت: كما صرح بأنها صلاة العشاء في حديث عمرو بن دينار عن جابر، فكذلك صرح في حديث محارب بن دثار عن جابر بأنها صلاة المغرب، ولكن عمرو بن في ينار المكي صرح في روايته أنها صلاة العشاء حيث أخرج الطحاوي ذلك عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن عمرو بن دينار قال: "هي العتمة" انتهى، أي: العشاء.