للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك عن غفلة ونسيان وشهادة المغفل لا تكون حجة، فكذلك خبره، أو يكون ذلك منه على أنه علم انتساخ حكم الحديث، وهذا أحسن الوجوه، فيجب الحمل عليه تحسينا للظن بروايته وعمله؛ فإنه روى على طريق إبقاء الإسناد وعلم أنه منسوخ فأفتي بخلافه، فبهذا الطريق حكمنا في حديث أبي هريرة لأنا نحسن الظن به، فحملنا ما رواه من السبع على أنه كان قد علم انتساخ هذا الحكم فأفتي بالثلاث، أو علم بدلالة الحال أن مراد رسول الله - عليه السلام - التقرب فيما وراء الثلاث، وهذا كما في قول عمر - رضي الله عنه - "متعتان كانتا على عهد رسول الله - عليه السلام -وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج" (١) فإنما يحمل هذا على علمه بالانتساخ، ولهذا قال ابن سيرين: هم الذين رووا الرخصة في المتعة وهم الذين نهوا وليس في رأيهم ما يرغب عنه ولا في نصيحتهم ما يوجب التهمة.

وقال صاحب "البدائع": وما رواه الشافعي -أراد به الأمر بالسبع في ولوغ الكلب [في] (٢) الإناء- كان في ابتداء الإِسلام لقطع عادة الناس في الألف بالكلاب، كما أمر بكسر الدِّنان، ونهى عن الشرب في ظروف الخمر حتى حرمت الخمر، فلما تركوا العادة أزال ذلك كما في الخمر، دلّ عليه ما روي في بعض الروايات: "فليغسله سبعا أولاهن -أو أخراهن- بالتراب" وفي بعضها: "وعفروا الثامنة بالتراب" وذلك غير واجب بالإجماع.

قوله: "وقد روي عن النبي - عليه السلام -" جملة وقعت حالا.

قوله: "ثبت بذلك" جواب لـ"ما".

ثم إسناد الحديث المذكور صحيح؛ لأن إسماعيل بن إسحاق المعروف بتُرنجه قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق. وترُونْجَه -بضم التاء المثناة من فوق والراء وسكون النون وفتح الجيم- ووقع صفة له ها هنا.


(١) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٢/ ١٤٦).
وأخرجه أحمد في "مسنده" (٣/ ٣٢٥ رقم ١٤٥١٩) بنحوه من حديث جابر بن عبد الله عن عمر.
(٢) ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>