للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: عن قريب يجيء الجواب عن ذلك، فتجده متصلًا في المعنى، وإنما ذكر الطحاوي هذا جوابًا لمن يزعم أن ابن مسعود يجوز عليه أن يكون قد نسي الرفع في غير التكبيرة الأول كما نسي في التطبيق فخفي عليه نسخه؛ وذلك لأن من رأى فعلًا من النبي - عليه السلام - خمسين مرة أو أقل منه كيف ينساه والحال أنهم كانوا محتاطين في أمور دينهم ولا سيما في أمر الصلوات لتكررها خمس مرات في اليوم والليلة ومثل ابن مسعود الذي كان يلازم النبي - عليه السلام - في غالب أوقاته لا يخفى عليه ذلك، فلذلك غضب إبراهيم النخعي لمَّا قال له عمرو بن مرة ما قال وبالغ في جواب المغيرة حيث قال: "إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك -أي رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع- فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك"، وهذا كله إنكار من إبراهيم لرفع اليدين من غير تكبيرة الافتتاح، وقال إبراهيم أيضًا لعلقمة بن وائل: "ما أرى أباك رأى رسول الله - عليه السلام - إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ ذلك، وعبد الله لم يحفظ ذلك منه؟! ثم قال إبراهيم: إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة".

روى ذلك الدارقطني، (١) ثم البيهقي (٢) في "سننيهما": من حديث جرير، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: دخلنا على إبراهيم، فحدثه عمرو بن مرة قال: صلينا في مسجد الحضرميين، فحدثني علقمة بن وائل، عن أبيه: "أنه رأى رسول الله - عليه السلام - يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباك ... إلى آخر ما ذكرناه.

وأخرجه أيضًا أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (٣) ولفظه: "أحفظ وائل ونسي ابن مسعود - رضي الله عنه -؟! ".

وقال صاحب "التنقيح": قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق، هذه علة لا تستوي سماعهما؛ لأن رفع اليدين قد صح عن النبي - عليه السلام - ثم الخلفاء الراشدين ثم الصحابة


(١) "سنن الدارقطني" (١/ ٢٩١ رقم ١٣).
(٢) "سنن البيهقي الكبرى" (٢/ ٨١ رقم ٢٣٦٩).
(٣) انظر "نصب الراية" (١/ ٣٩٧)، و"الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (١/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>